الواقع الاقتصادي يفرض خلق قطاع التصنيع

هناك هموم مشتركة تخيم دوماً على أفكار من يقوم على رأس الهرم الإداري في أي دولة، بينها همّان لا يختلف عليهما القادة في عالمنا العربي هما: ''خفض معدلات البطالة، وتنويع مجالات الاستثمار''، حتى لو تعددت أنواع الهموم بين كبير وصغير، وممكن العلاج ومستعصيه.
ولو دخلنا بوابة تنمية الاقتصاد وبحثنا تاريخ تنويع مصادره لعلمنا أن الاقتصاد العالمي مر بعدة مراحل ومتغيرات، وقد بدأت الملامح الأولى لذلك بالثورة الزراعية، ثم تحولت إلى ثورة طاقة بدأت بالفحم، ثم تحولت إلى البخار، ثم ظهر النفط ففتح بظهوره الأبواب واسعة أمام جميع الخيارات المعروفة، من استخراج وتكرير وتعدين وتصدير، وما إلى ذلك من المجالات النفطية المعروفة.
ونتوقف لنسأل: تحول الإنسان من ثورة الزراعة، وصناعة الزراعة إلى ثورة الفحم، هل لأن الأراضي الزراعية في تلك الفترة نفدت، ومن ثورة الفحم والآلة البخارية إلى النفط فهل نفد الفحم؟ فبحث عن النفط ولو رجعنا إلى قبل ذلك العصر الحجري هل نفدت الحجارة؟ فتحول هذا العصر إلى عصر آخر واليوم نسمع كثيرا من يتكلم عن الطاقة المتجددة وأهميتها والعديد من الأبحاث والتجارب تقوم حول هذا الموضوع، وهل معنى هذا أن الطاقة النفطية انعدمت؟
إن الاعتماد على مصدر واحد ليس حلاً للاقتصاد الوطني، وإن الاعتماد على المصادر الطبيعية كمصدر أساس للدخل ليس حلاً أيضاً، ولدينا أمثلة عديدة في بعض الدول العربية التي فضلت أن تستثمر جميع أموالها في الخارج بدلاً من استثمارها في موطنها الأصلي، لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ أبسط شيء يمكن الإشارة إليه هو شح الوظائف المتاحة بسبب تغيب الصناعة عن معادلة تنمية الاقتصاد الوطني، والاعتماد الكلي على مخرجات النفط وعدم تطويرها.
كذلك، فإن المتتبع لواقع ثورات الربيع العربي يجد أنها كانت بدوافع اقتصادية بحتة، فدول العالم العربي تتميز بعمر أبنائها الفتي الذين يشكلون أكثر من 60 أو 70 في المائة من سكان العالم العربي، إذاً العالم العربي يحتاج إلى العديد والعديد من الوظائف لسد احتياج أبنائه، ويستحيل على الدول تلبية هذا الاحتياج من دون وجود صناعة واستثمار صناعي.
وفي كثير من دول اليوم توجد برامج توطين للوظائف، ولكن يجب أن يكون التوطين في الوظائف التي فيها استدامة أكثر، وذات دخل جيد تدره على المواطن، وليس في الوظائف التي لا توجد فيها استدامة، مثال: عندما نفرض ضرائب على بعض القطاعات يسبب هذا شللاً في القطاع لعدم وجود العنصر الوطني لهذه الوظيفة مثلما حدث مع قطاع النقل، ولكن عندما نفرض ضريبة على قطاع معين يجب أن نستخدم هذه الأموال في دعم الوظائف الصناعية وبمدة دعم مجزية لا تقل عن أربع سنوات وبرواتب مجزية وننتبه إلى عدم التأخر في دفع المستحقات لرجال الأعمال الذين يدعمون برامج السعودة ويجب إعادة النظر في العقود الحكومية، كما يجب تعزيز دور الصناعة في المنطقة وإسقاط جميع الضرائب التي على هذا القطاع، وتكون الرخص والتراخيص الحكومية فيه مجاناً لأن القطاع يوفر فرصاً وظيفية مستدامة ليست تمثل باقي القطاعات، ولو عملنا مقارنة بسيطة بين قطاع العقار وقطاع صناعة السيارات فإن قطاع العقار لا يوظف ولا يخلق وظائف مستدامة، والشريحة المستفيدة من هذا القطاع محدودة، أما صناعة السيارات فإنها توظف الآلاف والآلاف من الموظفين، وتخلق العديد من الوظائف، وفي هذه الحالة، فانقطاع صناعة السيارات انفع للاقتصاد الوطني من قطاع العقار علماً بأن قطاع العقار يحصل على عوائد على الاستثمار تبلغ في المتوسط نحو 10 في المائة والمخاطرة صفر، بينما باقي الصناعات فيها مخاطرة ومتوسط العائد تقريباً 15 في المائة وهو ما يحث جميع المستثمرين على الاستثمار في العقار فقط بالنظر لهذه النتائج.
لابد أن يكون هناك دور للمشرع في وضع أو رفع الضرائب على القطاعات غير المنتجة مثل قطاع العقار وإلغائها عن القطاعات المنتجة مثل صناعة السيارات، والتوجه نحو التفكير في التنمية الاقتصادية من منطلق أن القطاع منتج ومولد للوظائف المستدامة لا حاصراً أو مميتا لها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي