العبادة .. كما أفهمها
- هي: أشرف و أرفع مقام يتقلده الإنسان، إذ التذلل بين يدي الله قمة العزة، والخضوع والخشوع له قمة العظمة، والخوف من بطشه وجبروته قمة الأمن، والبكاء من خشيته قمة الرجولة، وذلك كله لا يكون إلا لله، فهو وحده المُستحق للعبادة بلا منازع أو شريك، قال تعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ».
- هي: اختيار الله للناس، إذ إنها غاية وجودهم، ومن أجلها خلقهم، قال سبحانه: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ»، والعبادة على هذا النحو لا تعنى أداء أركان الدين فقط، ولكن تتسع وتتمدد لتشمل كل عمل صغير أو كبير يُقصد به وجه الله تعالى، وبالتالي يُصبح المرء عبداً لله في كل لحظة من عمره، وتصبح الحياة كلها محراباً له، وذاك هو المعنى الكبير والشامل للعبادة، بما يؤكد على أن التمتع بنعم الله على نحو ما أراد الله يُعد عبادة، وعليه فكل عادة يمكن أن تتحول إلى عبادة، متى أخلص المرء نيته لله فيها، ومن ثم فإن التزام الخلق باختيار الخالق، يحقق لهم نعيم الدنيا، كما يحقق لهم نعيم الآخرة في آن واحد.
- هي: وسام يمنحه الله لعباده في أعظم المواطن وأجلها، أمثلة: في مقام رحلة الإسراء - وهو من الأحداث المهمة والمؤثرة في التاريخ الإسلامي - أسبغ الله على رسوله نعمة «العبودية»، ويا لها من نعمة، فقال جل وعلا: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً»، وفى مقام الوحي وهو أمر جلل، أفاء الله على رسوله بنعمة «العبودية»، فقال سبحانه: «فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى»، وفى مقام الدعوة والإبلاغ عن الله، وهب الله رسوله نعمة «العبودية»، فقال جل شأنه: «وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا»، وفى مقام تحدى أهل مكة في أبرز ملكاتهم ومواهبهم وهي البلاغة والفصاحة، خلع الله على رسوله نعمة «العبودية»، فقال عز من قائل: «وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ».
- هي: أخلاق، وسلوك، ومعاملات، وضمير، وإجادة، وحرص على الأوطان.. قبل أن تكون مظهراً أجوفاً لا يفضي إلى حقيقة على الأرض، فالله تبارك وتعالى علّمنا أن لا ننظر إلى الصور والأجسام ولكن ننظر إلى القلوب والأعمال، قال صاحب الخلق العظيم، والقلب الرحيم، والسلوك القويم، محمد - عليه الصلاة والسلام - : «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجساكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم..»، ونظر الله إلى القلوب يقتضي إصلاحها من عيوبها وتنظيفها من أدرانها، ونظره - سبحانه - إلى الأعمال يقتضي إتقانها، وذاك كله من أفضل العبادات.
- هي: أفضلُ ذِكْرٍ ذَكَرَ الله به رسله وهم أفضل وأشرف خلقه، قال تعالى: «وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ».
- والناس من حيث عبادتهم لله ينقسمون إلى ثلاثة أصناف، صنف عبد الله خوفاً من ناره وعذابه، وهذه عبادة العبيد، وصنف عبد الله طمعاً في جنته ورضوانه، وهذه عبادة التجار، وصنف عبد الله لا خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته، ولكن عبده لذاته، وهذه عبادة الأحرار.
- وعباد الرحمن، لهم صفات عينتها آيات كريمات في نهاية سورة الفرقان من الآية (74:63)، وهى صفات التواضع، والحلم، وقيام الليل، والخوف من عذاب جهنم، والاعتدال في الإنفاق، وإفراد الله بالوحدانية، ومعرفة حرمة النفس فلا تُقتل إلا بحق، والعفة والطهارة، والبعد عن شهادة الزور، والإعراض عن مجالس اللغو، والسمع والإنصات والطاعة لله، وطلب التوفيق من الله في الزوجة والأولاد، وطلب المنزلة الراقية في مجال التقوى.. هذه صفاتهم أخي القارئ، وأرجو أن تقرأ آيات هذه الصفات في سورة الفرقان.
- وأخيراً، من كان عبداً لله حقاً، عَبًّدَ الله له الأشياء وسخّرها لخدمته، ومن عصى الله مَرًّدَ الله عليه كل الأشياء، قال أحد الصالحين: «إذا عصيت الله عرفت ذلك في خلق زوجتي ودابتي»!.