الإخوان .. ثمّ ماذا ؟!
قبل 25 يناير ، احتل الإخوان المسلمين رقعة لا بأس من حبِّ الناس ومن تعاطفهم ، لأنهم كانوا الأقرب إلى الشارع ، كما أنهم كانوا يتحدثون بلغة تستميل قلوب الناس لتعلقها «بقال الله ، وقال رسوله» ، إضافة إلى مُكون ثالث مُتمم لا يقل أهمية ، وهو تعرضهم لملاحقات واعتقالات فُُسِّرتْ بأكثر من تفسير من قبل أطراف المعادلة السياسية في مصر ، لكن الشارع لم يعبأ كثيراً بهذه التفاصيل ، وتعاطف فطرياً وتلقائياً مع الطرف الذي ظنّ أنه مُضطهد ، على اعتباره الطرف الأضعف في معادلة الصراع السياسي على الساحة.
الآن ، وقد تحرر الإخوان من هذا التضييق ومن ذاك تحجيم ، بأن صار لهم حزب سياسي، وصل رئيسه بانتخابات حرة إلى قصر الرئاسة حاكماً لمصر ، فإنّ الأمر قد اختلف كلياً ، إذ انتقلت مشاعر الناس من «التعاطف مع» إلى «التعويل على» ، ومن ثم فالكلمات أضحت مرصودة، والأفعال أمست محسوبة ، والآمال صارت معقودة ، من قبل العقل الجمعي للمجتمع ، وهو عقلٌ لا يخطئ في الحساب ولا في العقاب.
طالب الإخوان عبر عقود مضت بفرصة كي يثبتوا جديتهم في حب مصر ، وحمل الخير لها ولشعبها ، فجاءتهم الآن أكثر من فرصة ليترجموا ما قالوه إلى حقائق يلمسها الناس في حياتهم ، وذلك - في تصوري - محكٌ كاشف ، وامتحان حقيقي سيشهد الناس في بلدي قدرة الإخوان على اجتيازه أو عدم اجتيازه ، إذ ذهبت السكرة وجاءت الفكرة ، ولا يمكن أن تقبل أو حجة للفشل.
إنّ المناورة من قبل الإخوان بالترفع عن المناصب السياسية، لن يمر مرور الكرام على عقول المتأملين لمسلسل الأحداث ، فالظاهر يوحى بأنه لا مطمع للإخوان في سلطة أو منصب ، وهو ما أعلنوه وما نشروه ، ولكن النظرة المتأنية لبواطن الأمور لا يمكن أن تتوقف عند هذا «التبرير المثالي» الذي برر به الإخوان موقفهم من تولى المناصب ، ذلك لأن الحساب السياسي لا يعتمد مطلقاً على تلك المثاليات، وموقف الانتخابات الرئاسية لا زال ماثلاً في الرؤوس.
المسألة - في رأيي - تقوم على حساب دقيق قام به الإخوان حول جدوى قبول بعض المناصب السياسية.. ذلك الحساب أفضى إلى التأجيل حتى «حين» ، وذلك لعدة أسباب - هي من وجهة نظري – كالآتي :
(1) الإخوان يدركون جيداً أن أرباب المناصب السياسية سيواجهون في الوقت الراهن متاعب جمّة ، قد تعرضهم «للاحتراق شعبياً» وهو ما لا يريده الإخوان ، الذين يعتمدون على التعبئة الشعبية اعتماداً كبيراً ، ولذا يسعون إلى تمرير فترة ما قبل الانتخابات البرلمانية بأقل خسائر شعبية ممكنة.
(2) الإخوان يفضلون دائماً أن يبدؤوا من قاعدة الهرم (النقابات - مراكز الشباب - المساجد - الجمعيات الاجتماعية - المحليات.. الخ).
(3) الإخوان يلعبون بإتقان دور المشاهد الجيد حتى تتضح الصورة ، والمشارك المنظم إن دعت الضرورة، والناصح الماهر إن تعثر الأمران.
(4) الإخوان لا يريدون أن ينكشفوا في مشهد سياسي لا يتفق مع الصورة الذهنية المتراكمة في عقل رجل الشارع ، والتي نجح إعلامهم المنظم في تشكيلها عبر عقود.
ربما يتفق معي البعض أو يختلف حول هذه الأسباب ، ولكن تبقى وجهة نظر قابلة للنقاش والنقد، في إطار المشهد العام الذي يتحرك فيه الإخوان بشيء من الحنكة والحذر ، خاصة والإخوان لا يريدون مكاسب وقتية ، في ظل ظروف تسمح بتحقيق مكاسب طويلة المدى ولكن بشيء من الصبر ، ومن ثم فسوف يعمد الإخوان في القادم من الأيام إلى تشكيل تحالفات مع التوائم الإسلامية ، كما سيخوضون مؤتمرات حوارية مع الأطراف المناوئة لتهدئة الشارع كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ، حتى تتحقق التوطئة المطلوبة للانتخابات القادمة.
كثيرٌ من المثقفين المصريين - وأنا منهم - لا يعنينا شخص من يُشِّرع أو من يحكم ، ولكن يعنينا بالدرجة الأولى ماذا سيقدم للوطن والمواطنين ، لأننا بالضرورة لسنا طرفاً في أي لعبة سياسية قائمة أو قادمة ، ومن ثم فإن معيار الموضوعية هو الذي يحرك آراءنا تجاه هذا الشخص أو ذاك ، وعليه فلن نكون أسرى عواطف أو انتماءات ضيقة لشخص أو تيار أو جماعة ، خاصة وقد أماطت الفترة السابقة اللثام عن حقائق سيكون لها مردود مؤثر للغاية أمام صناديق الانتخابات.
وفق الله أبناء مصر إلى التلاحم ، وجمع قلوبهم على محبتها وإعلاء شأنها.