برنامج «التغطية الصحية الشاملة» وقواها العاملة
على الرغم من الوعود التي يقدمها أرباب صناعة البرمجيات والممارسون لتطبيق البرمجيات في الخدمات الصحية بجميع مستوياتها وأنواعها وتخصصاتها. وعلى الرغم من الدعم الكبير الذي يلقاه هذا المجال على مستوى الدول الصناعية والنامية والأقل حظا في الاهتمام التنموي، كل حسب مستوى الدخل. وإضافة إلى التوجهين العام والخاص لتسريع الأداء والرغبة في تحقيق الدقة والضبط والتوثيق وتقنين الأداء، إلا أن للبشر تأثيرا سلبيا في كثير من الأحيان على مدخلات تقديم الرعاية الصحية ومخرجاتها في المملكة. المشكلة تكمن في الاستجابة العشوائية أو تعمد الانحراف عن الجدية في التنفيذ، وارتكاب الأخطاء، أو قيادة بعض المواقف للوصول إلى استحالة إيجاد الحلول بالطرق الاعتيادية. هنا نجد أن السلبية هي ما انتشرت وهي السبب في ضياع كل ما تم توفيره وخزنه. وقد يتعدى ذلك إلى قيادة حياة البشر إلى هوة بسبب أو أسباب بسيطة، كان بالإمكان تفاديها بالوضوح والصرامة والجدية في التنفيذ.
لقد أثبتت الدراسات العلمية في مسارات علمية عدة أن التحرك خلف الزمن، والتململ أو التهاون في تطبيق أدلة العمل، وعدم تبني الإرشادات العامة والمتخصصة الدقيقة في تسيير الأمور حسب البروتوكولات المعممة عالميا، والاستخدام الخاطئ للتقنية يمكن أن تكون أهم مسببات الأخطاء الجسيمة في الخدمات الصحية. إضافة إلى الاجتهاد في التخطيط أساسا، والتصرف بفوقية، واتباع أساليب اجتهادية في تنفيذ البرامج وبالذات المتعلقة والموجهة لصحة المجتمع. ما لا يفهم هو استمرار اكتشاف الدراسات العلمية للمسببات ذاتها التي خلص لها المهتمون في الأنشطة المختلفة في الشأن الصحي قبل عقود. وهو أمر لا يتكرر إلا في الدول النامية ودون النامية.
في الواقع، لم تعد المسألة توفر خدمات، لكن أصبحت مسألة جودة تقديمها هي المحك. ولم تعد التكاليف التي كانت تكبلنا من تحسين الأوضاع هي السبب، بل زيادتها بحجم فاق كل تصور ـــ والحمد لله ــــ وباتت إدارتها معضلة. هنا يمكن أن يبرز سؤال يتعلق بالخدمات الصحية، وهو: هل التوجه نحو ''التغطية الشاملة'' وبهذه السرعة هو ما يجعلنا نكرر الأخطاء نفسها، ولا نشعر بتحسن حيالها مع أن تجاربنا وتجارب الدول الأخرى ماثلة أمامنا من وقت إلى آخر في دراسات جامعية أو بمحافل دولية أو عبر تقارير منظمة الصحة العالمية أو البنك الدولي؟
قبل يومين وبالتحديد في 18 شباط (فبراير) 2013 عقد في جنيف اجتماع على الطاولة المستديرة لوزراء المال والصحة مختارين من بعض الدول في العالم، لمناقشة آخر تطورات التغطية الصحية في العالم تحت عنوان ''نحو تغطية صحية شاملة = Universal Health Coverage''. في الاجتماع الذي أقيم على مدى يومين ناقش المجتمعون فيه ما تم نقله من خبرات خلال السنوات السابقة في الجهود المتكاملة في الدول لتحقيق تغطية صحية شاملة UHC. لا شك في أن الحلول المبتكرة أو التقليدية نوقشت أيضا من وجهة نظر اقتصادية، حيث إن المجتمعين كوزراء للمال والصحة مطلعون على ما يدور وكيف يدار الشأن الصحي. ففي ذلك تم تحديد حجم الصرف عليه، وما الإنجازات أو الإخفاقات التي يمكن أن يطلع عليها الجميع فيتم تبادل الخبرات ويتم اتفاق المجتمع الدولي على ما يمكن أن يدعم الجهود في هذا المجال.
ما يهمنا الآن هو نتائج مناقشة ''كيف يمكن للبلدان رصد التقدم المحرز في التغطية الشاملة للخدمات الصحية وتقييمه''، وتحديد الإجراءات المشتركة بين القطاعات على المستوى القطري، وتوجيه شركاء التنمية والمهتمين من كل قطاع بالتحرك في دعم الدولة. إن كل ما تقدم كفيل بإيجاد خريطة طريق تسير به الدول نحو المستقبل في سبيل إحراز تقدم إيجابي في مسار التنمية بهذه الدولة أو تلك. ما يتوقع أن يؤثر في توجه المجتمعين هو أهداف هذا التجمع في جلساته المتعددة التي تلخصت في: (1) فهم مدى تأثير التغيير والتطوير في السياسة المالية لتحقيق الهدف الأسمى للاجتماع. (2) تحديد التغييرات المفترض تبنيها ولها علاقة وطيدة بنمط تمويل الأنظمة الصحية، وهي في طريقها لتحقيق ما اجتمع من أجله الوزراء. (3) إبراز ما تم رصده وتسجيله في سبيل تحقيق التغطية الشاملة بكل دولة بدأت البرنامج ولديها نتائج يمكن أن تعرض لتبادل الخبرة فيها. (4) فهم كيفية تبني الشركاء والمهتمين وآلية عملهم لتحقيق هذا الهدف السامي على المستوى القطري؛ ما ينقل معه مفهوم المستفيدين وثقافتهم ليكونوا معززين وداعمين للتوجه.
بهذه المجموعة من الأهداف ينتظر أن يصدر تقرير لاحقًا يمكّن باقي دول العالم من تبني ما يمكنهم من تعريف مصطلح UHC، ومن ثم تمكن الدول مجتمعاتها من استخدام الخدمات الصحية بجودة عالية ومن دون معاناة أو شعور بضائقة مالية، خصوصا في الزيارات الأولية والمستدامة نتيجة الأمراض المزمنة.
إن مبدأ إلزامية تمكين الجميع من الاستفادة من الخدمات الصحية بعد توزيع عادل، ومساواة في التعامل، وجودة في الأداء يعني رفض وضع الميزانية بأسلوب المكافأة أو التقليل من قيمة مؤشر الكفاءة. لذلك فالمشقة التي يعانيها فرد من المجتمع للحصول على خدمة صحية صحيحة وجيدة يجب ألا يكون سببها إداري صحي أو اقتصادي، فما يحقق التغطية الصحية الشاملة هو صحة التوجه لها، والله المستعان.