متى البكاءُ من أجل مصر ؟!
ترَبتْ فينا الأنانية، عبر عقود، وتطورت، حتى وصلت إلى نرجسية دميمة، تفوح رائحتها النتنة أمام الكاميرات وعلى متون القنوات، بعد أن تحول إعلامنا في الآونة الأخيرة من تناول مشكلات الأمة إلى تناول مشكلات الأفراد.
رأينا الدمع ينهمر على الهواء مباشرة، لا من أجل مصر التي وهنت اقتصادياً، وتمزقت اجتماعياً، وتراجعت سياسياً، ولكن من أجل منصب شرفي استشاري قيل أنه من أجل مصر، وهيهات أن تكون تلك الغضبة من أجلها، إذ لم نر واحداً قد عرض قضية تخصّ الوطن في تسع قنوات، في غضون أربع وعشرين ساعة.
آسف أن أرى قاماتٍ تتهاوى أمامي كل يوم متى خضعت لامتحان بسيط.. قامات طربت لها مسامعنا وهي تتحدث عن الزهد في الدنيا والتعفف عن طلب الإمارة، فلما جاءت الإمارة فرحوا ولم نشعر بأنهم فرحوا إلا يوم حزنهم أنها ذهبت.
من حق كل إنسان أن يدافع عن سمعته إنْ طالها أذى، ولكن ليس في وسائل الإعلام، لأنها ليست مناظرة، ولكن هناك قانون وقضاء كفيلان برد الحقوق، دون إثارة، أو غمز، أو لمز، أو تهديد، أو وعيد، وقد كان حريٌ بمؤسسة الرئاسة أن تعفي من أرادت من منصبه دون أن تبدي أسباباً لذلك ما دام هذا حقها القانوني، أما تذييل الإعفاء بمبررات - أيا كانت - فقد شكَّلَ دعوة لممارسة اللغو الذي رأيناه في وسائل الإعلام.
أين مصر من أفعال وردود أفعال من دفعهم الشعب إلى مقدمة الصفوف، ليكونوا قدوة الناس نحو الخير والإصلاح، لا ليكونوا قدوتها نحو الشرذمة وتصفية الحسابات والدعوة باسم الفصيل أو الفريق أو الجماعة؟.. للأسف تُركت قضايا الوطن المصيرية والتي تهدد حاضره ومستقبله، وتفرغ كل الوجهاء للدفاع عن شخوصهم وآرائهم وسيرتهم، في وقت لا مجال فيه لهذه الأنانية الدميمة التي تكاد تعصف بما تبقى من هذا الوطن.
أيها الأكابر.. الوحدة وإنكار الذات، أو ريح عاصفة لن تبقي ولن تذر، وسوف تسألون أمام الحي القيوم سؤالاً لا مفر منه عن أمانة ناءت بحملها السموات والأرض والجبال، وحملتموها طواعية بعد أن وثقت الجماهير فيكم ومنحتكم عجلة القيادة.. سوف تسألون أمام الله - قبل الناس والتاريخ - سؤالاً عظيماً عن مصر التي كُلفتم بشرف إدارة أمورها وتصريف شئونها إلى ما يرضي الله ويحقق لأهلها الرخاء، فهانت عليكم وكبرت أمام أعينكم صغائركم، فصرتم جنوداً للدفاع عن أوهام لا عن وطن يئن إلى الله بالشكوى.
أطالب الأفاضل في حزب النور، وأحسبهم على خير، بالصمت وتغليب مصلحة الوطن وعرض قضاياه المُلحة واقتراح الحلول العاجلة وأظنهم قادرون لو أرادوا، كما أطالب بعض الأفاضل من حزب الحرية والعدالة بالكفّ عن التصريحات المُستفزّة التي تصدر بين الفينة والأخرى، خاصة أن هنالك شخوصاً بعينهم وجب عليهم الصمت حرصاً عليهم وعلى الصالح العام، وذلك أملاً في انكسار موجة الثرثرة القائمة، والتي توشك أن تكسر وقاراً في القلوب وهيبة في النفوس لأناس توسم الشعب فيهم الخير.
أتمنى كمصري عاشق لذرات تراب مصر أن أرى الغضبة على الوجوه وأن أبصرها في القلوب وأن أقبض عليها في الأفعال، من أجل أرض الكنانة لأنها - ورب الكعبة - تستحق أن نثور على أنفسنا ومطامعنا من أجلها، فلا قيمة لنا إن لم ننصرها في ضمائرنا وأفكارنا وحواراتنا، ولا شأن لنا إلا بعلو شأنها وارتفاع نجمها.. فهل تعلمون وطناً كمصر رفع الله ذكره في قرآن يُتلى إلى يوم القيامة، وأبى أهلها إلا أن يجروها إلى وهدة الخلاف والشقاق؟.. أحسبكم أعقل مع ذلك.