مد الجسور بين الجامعات الجديدة وقطاع الأعمال
في مقال سابق عن الوظيفة الثالثة للجامعات كنت قد نوهت بدور وزارة التعليم العالي في طرح المبادرات الواحدة تلو الأخرى ممهدة الطريق أمام الجامعات وداعمة لها في وظائفها التي تزداد مع تطور أنماط الحياة ونماء الأمم. وفي ذلك المقال كان التركيز على مبادرة بدأتها الوزارة بورشة عمل متأملة أن تتبنى الجامعات المشروع بعد ذلك، فيكون باكورة أعمال تبشر بالخير الكبير للجامعات ومنسوبيها ومجتمع المناطق التي تتبع لها هذه الجامعات. الآن وقد وضعنا اللبنات ومهدنا لنشر الفكر الإبداعي بالجامعات يمكن أن تكون الخطوة التالية وضع المؤشرات لقياس مدى التقدم في مختلف المسارات في هذه المبادرة التي تشترك فيها جميع قطاعات العمل والخدمة والأفراد على السواء.
ليس بغريب أن يغرق المجتمع الجامعات بتساؤلات اجتماعية ويطالبها بشرح أبعاد الوضع الثقافي في المنطقة على أقل تقدير. هذا لأنها المنبر الذي ينظر له كل أب وأم بأن ينهل منه أبناؤهم المعرفة فيتخرجوا وهم امتداد لهم، ومكملين لدورة الحياة البشرية. ولكن على الجامعات أن تخرج بعد هذا التواصل بتفاعل عملي مع مجتمع المنطقة وبالذات قطاع الأعمال بغية تمهيد الطريق للقادم من الأعمال.هذا يعني أنه عند بداية أي مشروع لابد أن يطلب من المهتمين تحديد الأدوار لكل عضو في المشروع بصفته شريكا أساسيا. يلي ذلك وضع الاحتياجات على الطاولة ليكون التقدم محسوبا من قبل جميع الجهات، فتعين إحداها الأخرى متوخين التكامل في الأداء ومتوجهين نحو الاستفادة من المخرجات فكريا ومهاريا.
مع أن الجامعة تقع تحت ضغط كبير من داخلها للخارج وبالعكس؛ حيث يسعى الأكاديميون للتميز في التدريس وإجراء البحوث العلمية والارتقاء بمستوى الطلاب ليكونوا مثالا لهم في المجتمع. والمجتمع ينتظر أن يتعلم جميع أبنائه في الجامعات ويتسلحون للزمن بقدرات فكرية وإبداعات تجعلهم يساهمون في نهضة بلدهم. كما ينتظر قطاع الأعمال أن يوسع استثماراته ويجد شرحا وافيا لبعض الطلاسم في مجريات التطوير التجاري الصناعي منه والإنشائي وغير ذلك بالبحث والدراسة وتبيان الفروقات بأسلوب منهجي منظم ينمي لهم مكاسبهم، ويحافظون به على توازن المسيرة. مع أن كل ذلك يشكل ضغطا على الجامعة إلا أن طريقة الانتقال من مرحلة إلى أخرى تتطلب التحرك بأسلوب منهجي قابل للقياس والتقييم يوفر علينا الاستمرار في إضاعة الوقت والجهد والمال ويحفظنا من الاستمرار في النضال والجدال غير المبرر أو غير المفيد. وهذا ما تبرع فيه هذه الصروح الأكاديمية.
لذلك على الجامعات الآن أن تنظر للموضوع من جهة مختلفة فترمي عنها كل الانتقادات وتبدأ في ''توسيع أنشطتها'' بوضع حاجة المجتمع كمسؤولية مدنية من ضمن مسؤولياتها التعليمية. هذا سيجعلها تضع أطراً للعمل تحدد بها ماهية المؤشرات التي تساعد على تقييم مدى التفاعل مع المجتمع وتأثير السياسات والإجراءات المقترحة على النتائج الأولية والمحصلة النهائية. ثم من بعد ذلك تقييم الواقع بهدف تسريع الأداء أو تغيير المسار أو التحرك في مسارات جديدة تفتح آفاقا تساعد وتكمل أدوار الشركاء حسب وضع كل منطقة على حدة. يمكن أيضا أن تتعاون الجامعات مع بعضها بعضا، فللعمق التاريخي أثر يرجح كفة الجامعات العريقة، ولكن يشبع شغف الجامعات الناشئة للقيام بهذه الوظيفة بكل اقتدار.
الدراسات السابقة في هذا المجال عديدة جدا وأصبحت تجيب عن الأسئلة بشكل تغذوي فينمي المهتم مهارات في كل جانب ويتعلم الطالب علوما خارج نطاق دراسته ويتوجه رجل الأعمال بعمله إلى مناطق يجد نفسه فيها بشكل مؤثر. وبوضع ما يعين الأوساط الجامعية وقطاع الأعمال على تفهم ما يقوم به منهما لصالح المنطقة فإن الأمل موجه نحو زيادة تقارب الأطراف بشكل مثيرٍ ومنتج.
في البداية لا بد من الاهتمام بالقيم فكثيرا ما نتوجه لتحديدها وتعريفها وتأطير مفاهيمها بعد أن نكون قد قطعنا شوطا طويلا في أداء العمل، وهذا خطأ ملاحظ. ثم من بعد ذلك نضع المؤشرات وفي مقدمتها تأثير توسع الجامعات في القبول. عادة ما يساعد الجامعة في كل منطقة أن تستوعب أبناء المنطقة وتوفر لهم بيئة جامعية ذات تنوع فكري وإبداعي خلال اليوم. وإذا ما اندمج آخرون قادمون من بيئات مختلفة مع هذا المجتمع فإن اللحمة تزداد متانة بين أبناء الوطن الواحد ويصبح الوطن هو الكاسب الأول. بالطبع في هذا العامل الذي يمكن أن يكون كأحد المؤشرات في تقييم مستوى أداء الجامعات لوظيفتها الثالثة تكمن عدة أهداف وتنطوي تحته العديد من النقاط مثل الاهتمام بتنوع التخصصات والتعليم المسائي وفتح أبواب القطاعات للتعلم والتدريب.. إلخ. ولكن ما يهم هنا هو كيفية التناول، حيث تتعرف الجامعة على احتياجات المنطقة. من ناحية أخرى، يمكن لتحسين البيئة التعليمية والظروف الاجتماعية المحلية أن تكون مؤشرا آخر يستدل به بما انعكس على أفراد هذا المجتمع من عاملين وأصحاب عمل؛ حيث التواصل الفعال والاستجابة للنداءات الوطنية وغير ذلك مما يقوي الروابط بين القطاعات ويوجه الشركاء نحو الإنتاج المقنن. بعد هذه الجولة الأولية في مسار وضع المؤشرات آمل أن يكون مد الجسور بين الجامعات الناشئة وقطاع الأعمال هادفا إلى توفير بيئة عمل تضامنية اجتماعية متكاملة.