الاستثمار في دول الربيع العربي فرصة أم فخ؟
للربيع معنى يفتح الأنفس، ويوقد في الذاكرة جميل الصور، فهو يرافق عودة الخضرة إلى الأشجار، ويلون الأزهار بعد سبات شتوي، ويجمل أوقات الناس بطيب النسائم، ويبعث فيهم الأمل كل حسب أمنيته، لكن مفردة أخرى أضيفت للربيع، فأخذت الناس بعيداً عن معناه، وربما أنستهم ذكراه، مع أن بعضهم يراها ربيعاً باقية، وإن أضيفت قسراً إلى "العربي"!
وثارت في ضوء هذا التساؤلات، ولم يبق مجال من مجالات التخصص إلا وانهمك رجاله حديثاً وبحثاً وتساؤلاً، فلم يتوقف ذلك على السياسي، والإعلامي، والاجتماعي، والنفسي، والتاريخي، وقسّ على ذلك، ودخل الماليون والاقتصاديون على الخط، ولا بد أن لهم أسئلتهم الخاصة هم أيضاً، لكن هل توصلوا إلى الجواب، أم أن الحيرة لا تزال هي القاسم المشترك لدى الجميع؟.. ومن هنا برز سؤالهم:
الاستثمار في دول الربيع العربي هل هو فرصة أم فخ؟
وواضح أن انتزاع جواب حقيقي لمثل هذا السؤال المهم ـــ الذي يتوقف عليه كثير من الأمور الاقتصادية ـــ يتوقف على طبيعة ما ينقل إلينا من دول الربيع، فالإعلام يصور لنا أن هذه الدول غير مستقرة سياسياً، وهذا يعني فقدان أهم عوامل الاستثمار في أي دولة.
لكن، هل يمكننا قراءة الاستثمار في هذه الدول بعيدا عن كواليس الإعلام؟، وما نوعية الاستثمار ـــ أي نستثمر في ماذا؟ وما المؤشرات التي يمكن أن تعطينا قراءة صحيحة عن الوضع الحقيقي لفرص الاستثمار لهذه الدول؟
ولنأخذ مصر مثالاً ونقارن بينها وبين الاستثمار في المملكة لفترة زمنية محددة لكي تقترب عندنا الصورة ــــ الاستثمارية لا الإعلامية ــــ، فقد سجلت مصر أفضل المؤشرات بالبورصة في تاريخ 23 من آذار (مارس) 2011، وكانت قيمة المؤشر 4986.46، وبعد مرور عامين تقريباً في تاريخ 26 من شباط (فبراير) 2013 كانت قيمة المؤشر 5546.42، أي أن هناك نمواً واضحاً في المؤشر بنسبة 11 في المائة خلال سنتين، أما مؤشر السوق السعودية فقد سجلت في الفترة نفسها من عام 2011 نحو 6362.42، وفي الفترة نفسها من عام 2013 سجلت 6988.19، أي أن هناك نمواً مقداره 9.8 في المائة في السوق السعودية، وهذا يعني ــــ من منطلق استثماري بحت ــــ أن من استثمر في السوق المصرية في تلك الفترة حقق عوائد مقدارها 11 في المائة على إجمالي استثماره، بينما من استثمر في السوق السعودية لم يحقق سوى 9.8 في المائة عائدا على استثماره، إذن فالسوق المصرية أكثر تشجيعاً على الاستثمار من السوق السعودية.
وقد يقول القارئ: إن المخاطرة عالية جداً، والعائد لا يستحق المجازفة، وهذا صحيح، لكننا نستخدم هذا المؤشر لقياس المناخ الاستثماري الشامل وليس لقياس فرصة الاستثمار، وهذا يعني أن للسوق المصرية مناخا مشجعا للاستثمار وإن كانت الظروف السياسية مستقرة، لكن العائد على السوق أكبر.
وهذا الأمر يقودنا إلى أن هناك فرصاً استثمارية جيدة في دول الربيع العربي وأن التضخيم الإعلامي لوضع السوق ليس كما هو؛ لأننا يمكن أن نلعب في مضامين الخبر الإعلامي، ولكن يصعب أن نتلاعب في المال، خصوصاً إذا كانت أموال المستثمرين، وهذا القدر معروف عند الجميع.
أما بماذا يجب أن نستثمر ونحن نرى القطاع السياحي متدهوراً في مصر؟، فهذا لا يصور حال اقتصاد كاملا بجميع قطاعاته؛ لأن مكونات الاقتصاد تمتد إلى قطاعات عدة، وهناك مجالات أخرى مجدية لو تم أخذها بجدية لاقتطفت حصادا مثمراً كبيراً.
بمعنى، يجب أن يكون الاستثمار في مجال الحاجات الأساسية اليومية لعامة الناس، وليس في الكماليات، وهناك أيضاً الاستثمار في الطاقة، والاستثمار في الاتصالات، وقسّ على ذلك، كما أن هناك نوعين من الاستثمار، مالي فقط، وهو: أن تضع مالك في سوق الأسهم، وهذا النوع أقل عوائد من الاستثمار التشغيلي، أي بمعنى أن تفتح لك مصنعاً أو شركة وتدار مع شريك مصري لأسباب عدة يصعب حصرها الآن.
وهناك الاستثمار التشغيلي: وهي فرصة لجميع التجار والمصنّعين الذين يعملون في المجال نفسه، مثال: وكيل بيبسي أو كوكا كولا في الخليج مثلاً، وهو أنجح شخص يمكن أن يدير هذا الاستثمار مع شراكة مصرية في مصر، لما لديه من خبرة في هذا المجال تفوق كثيراً عن غيره.
باختصار، في دول الربيع العربي فرصة ذهبية للاستثمار لمن لديه بعد نظر، وهناك اليوم من يتنافس للفوز بعقود الاستثمار العملاقة، خصوصاً في الطاقة، وقد نسمع عن فوز شركة وطنية كبيرة بعقد عملاق في إحدى دول الربيع العربي، لكن هل يا ترى تفكر شركاتنا الوطنية الكبرى في ذلك، أم تنتظر أن تأتي إليها العقود في طريق يقف عليه أكثر من ألف مستثمر ومستثمر؟