التأهيل يرتبط بخدمة أفضل للعميل

الأسئلة التي تتكرر من شباب وطننا وتتعلق بمستقبلهم الوظيفي لا تنتهي؛ حيث إن في كل حقبة من الزمن تصادفنا ظروف تجعل مسؤولي التعليم العالي والتوظيف في القطاعين العام والخاص يكرسون جهودهم لإعادة توجيه الدفة لصالحهم، متيحين الفرص وفاتحين الأبواب لاستيعاب أكبر عدد ممكن في كل مجال وتخصص يمكن أن يستوعبه السوق. فأسئلة تدور حول إعادة التأهيل في تخصص يبعد كل البعد عن التخصص الأساس الذي تم الحصول فيه على درجة علمية مناسبة لوقتها، أو الرغبة في الحصول على درجة علمية أعلى، أو التأهيل للقيام بأعمال ميدانية أو التمكن من استخدام أجهزة تقنية معقدة، أو خلاف ذلك كلها تدل على طموح الشباب في المشاركة في نمو وتنمية الوطن، بالرغم من أنها في كثير من الأحيان عبارة عن مجموعة تحديات لا يستطيع كل فرد اجتيازها بسهولة.
بالطبع ''السعودة'' هي الهدف العام الذي نسعى له والارتقاء بأداء الأعمال وتنظيم وضع السوق ورفع مستوى جودة الأداء للاستمرار في تحسين بنية الاقتصاد وتحقيق الأهداف الأخرى العامة منها والخاصة. ولكن نحن الآن أمام السؤال الأول: وما هو المطلوب بعد هذه المرحلة؟''. للإجابة عن السؤال البسيط دائما ما نمر بتعقيدات كبيرة؛ لأن المطلوب هو الحل الأمين والرصين والآمن. كما أنه في النهاية لا بد من تكامل جهات عدة لرعاية أفضل للقوى العاملة السعودية.
التفكير في سياسات التوظيف يجعلنا نفكر في أن تكون السنوات المقبلة سنوات الحلول الناجعة القائمة على إعادة التأهيل والاستفادة من الشباب المؤهل في تخصصات قد يشيح السوق بنظره عنها، أو لا يجد الموظف نفسه منتجا فيما يقوم به وينافس الآخرين في مهارات وقدرات تجعله مطلوبا في هذا التخصص أو ذاك. دافع ذلك طموح الشباب للتفكير في برامج ''التجسير'' أو ''إعادة التأهيل'' أو التزود من المعارف بأسلوب ''المسار السريع'' في تخصصات جانبية تمكّنه من دخول المجال الذي يحاول العمل به بثقة المُمَكَّن والمُتمكِّن. من جهة أخرى، الاستفادة من كل الموارد التي تعين هذا الجيل والأجيال القادمة على عيش حياتهم في نماء وازدهار دائمين ـــ بإذن الله ـــ. ولكن ليتم ذلك لا بد من وضع استراتيجية عامة لهذا التوجه الوطني المهم.
إن ''إعادة التأهيل'' كمصطلح استخدم في كل مجال حيوي ودنيوي تضمنته معاجم وقواميس اللغة العربية وما يقابلها باللغات العالمية هو تعريف للإصلاح، ورد الاعتبار، وبالطبع التأهيل أو التمكين. ففي المجال الصحي يمكن أن يطلق على البرنامج المعد للمصاب جسديا أو عضويا. وفي المجال ذاته، يمكن أن يطلق على تمكين الممارس الصحي ذي المستوى المتدني أن يرتقي ويتحمل مسؤوليات أعلى. وفي المجال الثقافي هو تحديث للمعارف وتنويع المشارب وصقل للمهارات الفكرية. ويمكن القياس على ذلك عند الحديث عن المجالات المختلفة الأخرى. ما يهمنا هنا هو الحصول على مؤهل يمكن العامل أو الموظف من القيام بعمل في مجال قريب من تخصصها وحتى بعيدا عنه. سواء كان هذا البرنامج إضافة معلومات في هيئة مقررات دراسية ليكون ''برنامجا تكميليا'' أو دورات تدريبية عملية أو ميدانية، فالمؤهل هو ما نتحدث عنه؛ حيث يخول ذلك المستفيد من القيام بمهام إضافية ويتحمل مسؤوليات أكبر في مجال العمل الذي يتوق للانخراط فيه ويجد نفسه فيه.
الدول من حيث القدرة على إعادة التأهيل أو طرح برامج للتجسير أو إعادة إعداد فئات من الخريجين بمسارات سريعة أو مختزلة عادة ما تعتمد على قدرات جامعاتها في إبداعها بطرح مثل هذه البرامج بكفاءة عالية. فهي قدرة على الربط بين ما يوفره البرنامج السابق للخريج ومتطلبات السوق في الحقبة التي يعيشها الفرد بعد التخرج حاليا. بالطبع لا بد من أن يمر هذا الإجراء بمراحل توثيق واعتماد لضمان حقوق المخرجات في التوظيف والترقي بناءً على ما كفله النظام للقوى العاملة في كل مجال. لكن يهمنا كثيرا أن نعي كيف أن إعادة التأهيل أصبحت ضرورة ملحة في كثير من التخصصات أو المجالات بعد أن غزت التقنية (على سبيل المثال) أسواق العمل وفاضلت بين العاملين بالتخصص والمؤهل.
لقد تنامى في أوساطنا أن خريجي تخصصي الجغرافيا والتاريخ مثلاً لم يعودوا مناسبين للسوق اليوم. لأن التعليم كان بأسلوب تقليدي؛ حيث درس الطالب صفات وخواص الأرض والظواهر الطبيعية الخاصة بالبيئة ومكوناتها والبشر وتنقلاتهم والفلك وحركة الأرض... إلخ. الآن وبعد تطور استخدام التقنية ازدادت العلوم عمقا في فهم أسباب نشأة الظواهر وبدأ التحليل يعتمد على استخدام الرياضيات وقوانين الفيزياء... إلخ؛ ما استوجب إعادة النظر في الدرجة والمحتوى لأن التخصص انتقل من غير مرغوب فيه إلى مطلوب بشدة. في التخصصات الصحية أيضا أصبحت المقارنات بين حملة المؤهلات المختلفة مهنيا تحتم على بعض الفئات أن تبحث عن مؤهلات أعلى أو الدخول في برامج تساعد على تقديم رعاية أفضل وتحمل مسؤوليات أكبر فكانت المبادرة أن تمت إجازة برامج للتجسير تمكن العامل في المجال الصحي أن يكون في وضع أفضل مهنيا ومعرفيا. وهنا يطرح السؤال الثاني نفسه: هل أصبح السوق محركا للتعليم، أم أن تطور التعليم هو ما حرّك مستويات الأفضلية في السوق؟ للحديث تتمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي