البطولات الصحفية
أعلم أنني أصغر بكثير من أن أنتقد كتّاباً كبارا لمعوا في عالم الصحافة ولهم باع طويل في الكتابة الصحفية، وأنا لا أزال في بداية الطريق، ولكني في المقابل أعلم أن الكتّاب الصحفيين يحبون حرية الرأي ويميلون إلى قبول الرأي والرأي الآخر مهما كان مصدرهما ما دام كل واحد منهما يحتكم إلى منطق مقبول، مشكلتنا الأزلية أننا لا نحاول فهم طبيعة الأشياء ومنطق نشأتها، نعوم مع من يعومون وننادي بما ينادون، نلبس من لبس الآخرين الجاهز ولا نحاول أن نتأكد من أن لبسه جاهزا أفضل لنا من إعادة تفصيله، في رأيي أن لدى الآخرين ما يجب علينا أن نأخذه كما هو ولا نعدل فيه شيئا، وأي تعديل فيه يقلل منفعتنا منه بدرجة قد تكون كبيرة، وفي المقابل هناك ما يجب علينا تعديله وإعادة تصميمه بما يناسبنا قبل أن نأخذه من الآخرين، ومعيار ذلك هو المنفعة التي ستعود علينا من ذلك، وأرجو ألا يفهم أحد أنني هنا أحاول أن أنتقد كتابا مشهورين لكي يلمع نجمي وتصل شهرتي أصقاع الأرض، كل ما سأحاول فعله هنا أن أوضح وجهة نظري الخاصة حيال البطولات الصحفية وكيف نجعلها تصب في المصلحة العامة فتكون الصحافة والكتابة الصحفية عاملا مهما لكي يرتقي مجتمعنا ويزداد تحضرا.
حسب ما أعتقده - وهذا تحليل شخصي لا يستند إلى أي دراسة علمية ممنهجة - أن الصحافة وجدت لكي تقوم بدور النقد البناء الذي سيجعل الأمور تسير بشكل أفضل، ولذلك سميت بالسلطة الرابعة، وفي الغرب حيث كفاءة وفعالية الأجهزة الحكومية وديناميكية القطاع الخاص، فإن إبراز الأخطاء بطريقة الإثارة الصحفية يكون مفيدا جدا، حيث تتوافر لديهم القدرة على تعديل الأخطاء فورا لأن لديهم أجهزة تعمل بكفاءة وفعالية وتقريبا ليس لديها أخطاء، فإذا وجد الخطأ فهو في الغالب غير مرتبط بأخطاء أخرى تعاقبت فأصبحت المشكلة شائكة، لذلك فإن الإثارة الصحفية في الغرب تصب في مصلحة المجتمع.
أما لدينا فالإثارة الصحفية تعمل على تعقيد المشكلة، لأن الخطأ يكون في الغالب مرتبطا بسلسلة من الأخطاء، مما يجعل الحل الفوري مستحيلا تقريبا، والإثارة الصحفية ستزيد المشكلة تعقيدا وستسبب الارتباك والتوتر في ذلك الجهاز الحكومي المسكين.
وفي الغرب الكاتب الذي يفجر القنبلة الصحفية فيشعل الشارع وتكون الإثارة الصحفية في ذروتها يقلده المجتمع قلادة الأبطال ويصبح نجما لامعا في سماء الصحافة، وهذا في مجتمعهم أمر صحي للغاية، وفي مجتمعنا نحاول أن نكون كذلك، فمن يفجر القنبلة يعتبر على الأقل في المجتمع الصحافي بطلا من أبطال الصحافة، وهذا في رأيي مضر بالمجتمع، لأن الكاتب في الغرب في فعله ينفع المجتمع لأن الأوضاع ستتحسن فورا، أما الكاتب لدينا فسيضر المجتمع لأن المشكلة كما ذكرنا مرتبطة بسلسلة من المشاكل المعقدة ولن يستطيع مسؤول مهما كان كبيرا أن يحل الموضوع فورا إلا إذا قررت الحكومة بكاملها التدخل لفعل ذلك، وسيكون الأمر مكلفا مثلما حدث في كارثة سيول جدة.
ولكن ما الحل؟ هل نكف عن النقد ويكون الكاتب الصحافي البطل هو من ينافق أكثر؟ بالتأكيد لا أدعو لذلك، لا أدعو لأن يكون عالم الصحافة والكتابة الصحفية يقوم على النفاق والتجمل، وما أدعو له هو أن يكون الكاتب البطل هو من يضع يده على المشكلة ويقترح الحل المناسب لها بحكمة وروية، فإذا قامت الجهة الحكومية بدراسة المشكلة التي طرحها يكون هذا المستوى الأول من البطولة، وإذا تم اعتماد حله المقترح يكون هذا المستوى الأعلى للبطولة، وبذلك نعيد تفصيل القطاع الصحفي بما يخدم مجتمعنا ويحقق له أكبر منفعة ممكنة.
لقد ترددت كثيرا قبل كتابة هذه المقالة وخشيت أن يعتبرني البعض قد تجاوزت حدودي ككاتب في بداية الطريق، وأن يعتقد البعض الآخر أنني أسعى للشهرة السريعة من خلال طرق غير مشروعة، أما أنا فقد فعلت ذلك لكي أقول ما كان يدور في خلدي تجاه البطولات الصحافية والتي أتمنى أن أكون من أصحابها إذا كانت تحقق المنفعة الحقيقية للمجتمع.