آن للقلم أن يستريح !

عشر سنوات وربما أكثر، قضيتها في كتابة المقال، ما بين الصحف الورقية، كالجمهورية، والأهرام، والمصريون، وعقيدتي.. الخ، وما بين الالكترونية كالاقتصادية السعودية، والوئام السعودية، وعاجل السعودية، والقصيم السعودية، والوكاد السعودية.. الخ، وما بين مواقع الكترونية متعددة أبرزها، شبكة الإعلام العربية - محيط، ثم انتهى بي المطاف مؤخراً إلى التركيز على صحيفة الاقتصادية السعودية، وموقع شبكة الإعلام العربية - محيط، وفي كل ذلك كنت كاتباً حراً بلا مواعيد محددة ولا زوايا ثابتة.

وجهت تركيزي نحو إخراج حرف جيد وكلمة هادفة إلى عيون القرّاء، ولم أكن أعلم أن من مهامي تخصيص جزء كبير من التركيز في أشياء لا علاقة لها ببناء الكلمة وإنتاج الفكرة، أكثرها يتمحور حول كلمة «العلاقات» بمفهومها المطاطي، أو بجانبها الباطن، ولم أكن أعلم للمرة الثانية أنّ إنشاء هذه العلاقات يتطلب تنازلات أقلها الدوران كتابع في فلك من بيده فك لغز التمكين، حتى تأكد لي بعد عقد من النحت بالقلم أن الكلمة الجيدة ليست - وحدها - جواز العبور والمرور.

قال لي كثيرون: قلمك لن يصل، وكنت أجادلهم وأخالفهم الرأي قائلاً: لا زال في أمتنا من يقدر الاجتهاد والإجادة دون مقابل، ومضيت في طريقي دون أن أعبأ بنصائحهم التي ظننتها وساس تصرف عن العمل وتدعو للخمول والكسل، حتى تبين لي ثانية أنهم كانوا أكثر فهماً للواقع مني، حين تيبست في مكاني وربما تأخرت، وانطلق آخرون بسرعة البرق لأنهم استطاعوا «ركوب الموجة»، فأصبحوا كتاب رأي في أماكن ثابتة في صحف معروفة.

ولأني أكره المناطق الرمادية، وأكره أن أكون شخصية كتابية باهتة بلا ملامح محددة، فقد آن للقلم أن يستريح في علبته الأنيقة بعد رحلة جدباء قاحلة، أرقت على أرضها عرقاً وجهداً وفكراً، وعبثاً حاولت أن تنبت زهراً أو تنتج ثمراً، لكن المؤكد أن ذلك لن يضيع عند ربّ الأرباب وملك الملوك، خاصة وقد اجتهدت حتى أكتب كلمة نظيفة عفيفة خالية من شوائب التملق والنفاق، وبذلت عناية في أن تكون موضوعية تعبر عن حقيقة، أو متزنة تعبر عن فكرة، أو هادئة تطرح رؤية، ولم ابتغ من وراء ذلك شيئاً لا استحقه.

شكراً للاقتصادية الالكترونية التي كتبتُ فيها لثلاث سنوات ونصف، مبتدئاً بزاوية المقال، ومنتهياً بزاوية التدوينات.. أزعم أنني قضيت أجمل الوقت على صفحات هذه الجريدة وتعرفت على كتاب وقراء في غاية السمو، وكم كنت أتمنى أن أكون صاحب زاوية بين كتاب الرأي، خاصة وقد قدمت ما يبرر هذا التمني، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، لذا فقد حان وقت الرحيل لتبقى هذه العلاقة حية بألقها في الذاكرة، ولتبقى تجربة مفيدة للقادم من الأيام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي