هل تهتم هيئة الصحفيين السعوديين بالإعلام المتخصص؟
المراقب المثقف والمتأمل الحاذق وذو الحس الذواق والكاتب الصدوق والإعلامي الطموح ذو الأسلوب المهني الراقي، صفات قد لا تجتمع في شخص واحد في الوسط الإعلامي اليوم. هذا لأننا نبحث عن التخصصية ولا نعير التأهيل والتصنيف أهمية كبيرة في توظيف الناقد المحترف. وإذا ما أردنا إعداد مجموعة أو فريق فإننا نستعجل النتائج باتباعنا أساليب غير أكاديمية. في صناعة الغذاء مثلا لا يوجد لنا موقع إعلامي في قوائم المتميزين في مجال الإعلام المتخصص. بمراجعة وقراءة أخبار ومقالات وتقارير مواضيع في صناعة الغذاء وجدت أننا إما أن نتحدث عن آراء عامة الناس، أو ننقل معلومات صحية من أخصائي أو طبيب، أو نستشير أكاديميا في الإعلام فيكون الطرح علميا مفتقدا في بعضه الخبرة الميدانية المحلية. هذا يجعلني أتساءل من هو أو هي المسؤولة عن ذلك في سوق العمل؟
تاريخيا يعتبر أول صحافي ناقد غذائي متخصص هو كليبورن Claiborne الأمريكي الجنسية، حيث كان له عمود تقييم للمطاعم في صحيفة الـ ''نيويورك تايمز'' منذ بداية عام 1957. بعد ذلك نما عدد الناقدين وقواعد ''النقد الغذائي'' المطبوعة لأنواع المطاعم المختلفة بتسارع كبير في السبعينيات والثمانينيات. هذا جعل صناعة الغذاء تدخل مسارا في التخصصية والخبرة المعرفية، حيث باتت المعاهد والكليات المهنية تتوسع في تعليم أنواع وأصناف من مطابخ جديدة على المنهج وبالتالي تنويع الثقافات في التدريس والتدريب. مع بداية التسعينيات وعلى مدى عقد كامل تقريبا انتقل النقد إلى الإنترنت كتحول مرحلي، وأصبح هناك تنويع في النقد، ولكن تحول جزء منه لهزل وهجوم ونقد غير مقنن لاختلاط الكلمة بالنبرة الشخصية أكثر، مسجلة بذلك دخول حقبة غير مستقرة في هذا المجال. سرعان ما عادت لتوازنها في بداية هذا القرن، حيث بدأت المنتديات والمدونات المنشأة عن طريق متخصصين ومرخصين في المناقشة الموضوعية عما يقدمه هذا المطعم أو ذاك المقهى. كان هذا الانتقال المقنن مدعاة لتحول بعض الكتاب للتخصص والحد من الشطط، ما أعاد هذا النوع من النقد لمساره الصحيح في كثير من دول العالم التي تهتم بهذا المجال.
لقد أصبح نقاد الغذاء يعرفون ما الواجب أن يتناولوه كل أسبوع وكل شهر وكيف يتناولونه في نقدهم التوعوي والمهم لتثقيف المجتمع الذي كان البعد الأول للقضية. في بعدها الثاني مساعدة أجهزة الرقابة في الوقوف على الخلل ولديهم الحجة العلمية والمنطقية في التعامل مع الحالات التي قد تؤدي إلى ضرر المستهلك. أما البعد الثالث فهو توجيه أنظار المستثمرين للإيجابيات والسلبيات، ما يجعلهم يعززون الأولى باستمرار التحسين، ويتفادون الوقوع في مزيد من الأخطاء لتلافي الثانية. هذا بالطبع أعاد التوازن لما يقدمه المستثمر للمجتمع.
محليا.. فغالبا ما يكون النقد في مجال صناعة الغذاء حول تجربة سيئة أو ظروف طارئة (كمداهمة أو جولات تفتيشية) أو محاولة بقاء الوسيلة الإعلامية في الصورة. أما التفكير في: (1) فهم ماهية المواد المستخدمة، و(2) تبني نوع معين من فنون الطهي، و(3) مناقشة علاقة الأسعار بما يقدم من وجبات أو مشروبات أو خدمتها على الطاولة أو في قاعة مجهزة لهذا الغرض، و(4) بذل الجهد في عكس الحقيقة التي تقبع خلف الزيارة أو التجربة التي مر بها الإعلامي المتخصص، (5) الحديث عن أخلاقيات المهنة، فقد يكون ذلك بعيدا عن التخصصية لدى وسائل إعلامنا بالذات المطبوعة والإلكترونية. لمعالجة ذلك قد يتعاقدون مع ما يقال عنه ''متخصص'' ولكن هو غير مؤهل بدورات علمية ولا مرخص بتصنيف رسمي، وفي جعبته ما لا يزيد على 20 أو 50 مقالا وليس تقريرا، ليأخذ لب المسؤولين في تلك الوسيلة لفترة من الزمن دون تأثير حقيقي في المجال. السبب في ذلك هو أنه لجأ إلى سؤال العامة عن رأيهم، وهو عمل غير احترافي في كثير من جوانبه، أو سؤال المتخصصين في علوم الأغذية كأعضاء هيئة التدريس في الكليات والجامعات، وهذه معلومات تحتاج إلى فن في الصياغة والطرح. أو قد يدير المعلومات ويطرحها، بحيث يتم تشويه الواقع وقليل هم العارفون بما جرى وعرض.
أناشد أولا هيئة الصحفيين السعوديين، ثم هيئة الغذاء والدواء، والهيئة العامة للسياحة والآثار، ومجلس الغرف السعودية، ومن بعد ذلك من لهم دور في هذا المجال البنَّاء أن يلتفتوا لهذا الموضوع الاقتصادي والاجتماعي التثقيفي المهم جدا. فالناقد يحتاج إلى: (1) الشهادة الجامعية وليس شرطا أن تكون في علوم الأغذية، ولكن الشرط أن يكون ملما بأدبيات الكتابة بالأسلوب العلمي في هذا المجال. (2) الإلمام ببعض المصطلحات والمفردات اللغوية ليضيف للكتابة قوة وتصل للمتلقي دون حواجز. ثم من بعد ذلك. (3) التدريب المكثف المعترف به والمصنف كوسيلة للتخرج باقتدار مهنيا وعلميا بمؤهل بكالوريوس أو دورات تدريبية معترف بها لاحقة للمؤهل. (4) تحلي الناقد بحساسية مرهفة في تذوق الطعام ومعرفة مكوناته وتحديد سلامة خلطها، فالمفطحات في مطابخنا ليست كالمطبخ الصيني أو الأوروبي. (5) القدرة على الكتابة باحتراف وهذا يحتاج إلى ممارسة يومية خلال الدراسة والتدريب، فالوصول للطعام ليس صعبا، ولكن حصول الإعلامي المتخصص على اعتماد وتصنيف وترخيص ومزاولة مهنية عادة ما يكون صعبا للغاية.