متى يتحقق عائد الاستثمار في الحكومة الإلكترونية؟
ليكون برنامج التعاملات الحكومية الإلكترونية في قمة عطائه وإنتاجيته نحتاج إلى أن تعكس المنهجية في التخطيط والتنفيذ وعرض النتائج ما يتم فعلا على أرض الواقع. نحمد الله على أن أصبحنا دولة ذات سبق في النجاح بسير البرنامج نموذجا في المنهجية والآلية. كما يشكر القائمون والعاملون على ما بذلوه في البداية وعلى مدار السنوات حتى وصولنا لهذا اليوم من هذا العام 2013.
الآن وبعد افتقارنا لدراسات علمية أكاديمية محايدة تتابع واقع تقدم برنامج التعاملات الحكومية الإلكترونية، فقد يكون من المناسب إعادة فتح موضوع اقتصاديات هذا البرنامج بسلسلة من المقالات متنوعة المشارب والمصادر، حتى لو تم الاعتماد على موقع البرنامج فقط. بتصفح الموقع وقراءة معظم ما نشر فيه وجدت أن هناك جهدا لا يمكن لأحد إنكاره. لكن إذا ما دققنا قليلا نجد التالي: لقد توقفت التقارير السنوية عند عام 2009، وهذا يقلل من مصداقية ما يمكن أن نعتمد عليه في القياس والتقييم. ثم أن مرور سبع سنوات من العمل المضني وما زال التقدم بطيئا ليعني أن تحقيق الرؤية بأن ''يتمكن الجميع بنهاية عام 2010 من أي مكان وفي أي وقت من الحصول على خدمات حكومية بمستوى متميز أصبح من الغيبيات التي تجعل مقارنة حجم ما أنفق بما تم إنتاجه، وتأثيره في رضا المستفيد أو الفرد أو المؤسسة، أمرا مستحيلا وإلى حد بعيد.
أعتقد أن المشاكل تكمن في التوقعات الطموحة مع تذبذب المتابعة الشخصية والآلية أو الإلكترونية. فعلميا، وحسب تجارب المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وماليزيا، وإيطاليا؛ فالتسلسل الإجرائي للعمل وقياس نتائجه يبدأ بــ: (1) الاستغراق المكثف في التوعية مع قياس النتائج دوريا حتى لا تطول. (2) إصلاح الموجود وتأهيله للقادم من العمل؛ حيث التباين والتشتت بين أنظمة التشغيل معروف والإصرار على التأني في غير محله واضح. كما وضح الافتقار الشديد للقدرات والخبرة وبسبب الوظائف ومركزية قرار التوظيف والتردد في الدفع بحجة أن القطاع الخاص مغر في عروضه يجعل توفير موارد بشرية مثقفة أو متخصصة في القطاعات الحكومية أمر أقرب للغرابة. ولأننا ظللنا عقودا بين الورق ونكره أن يتغير الحال وضعنا العقبات أمام الانتقال السريع للمرحلة التالية. ثم من بعد ذلك. (3) التوسع في تبني نظم وقواعد قياسية أو معيارية لما تم إصلاحه وتأهيله بإشراف مؤهلين وتحت أنظار المسؤولين. وهذا كما نعلم عملية يرفضها البائع أو المستثمر أو المشغل الخارجي. فنجد أن المراوغة والحيل الفنية لا تنتهي لتعطيل تقدم المشروع من دون أن تتدخل إدارة البرنامج بحزم. ويأتي بعد ذلك. (4) التحفيز والتعويض للإسراع في الانتشار والخدمة وهو أمر طبيعي، لكن كان لا بد من مقاييس تكشف مستوى الإنجاز كل ستة أشهر وتقيس الجهة تقدمها ذاتيا كل ثلاثة أشهر. وبالطبع بعد صدور الأوامر فيها بجعل القياس يتم سنويا فقد أعطيت المساحة للجهات لتتنفس ببطء. من هنا نبدأ (4) بالمحاسبة لما تم صرفه وقضاء الوقت فيه وتم تبنيه وتوظيفه. فالهدف أن تكون الإجراءات الحكومية مخفضة للتكاليف، وفاعلة، وممكنة لجميع الأطراف بتعزيز الأدوار تجاه بعضهم البعض. لذلك فالمتقاعس أو المتراخي أو المتسبب في تكوين الفقاعات المعيقة لمسيرة هذا المشروع لا بد أن يعرف بأنه سيكون خارج إطار الصورة الجميلة.
هذا في الواقع يجعلنا نشدد على استمرار دراسة رضا المجتمع عن تقدم برنامج الحكومة الإلكترونية وتكثيفها ونشرها على نطاقات أوسع ولأعداد أكبر في كل مرة. وإذا لم نحرص على أن نبلغ عام 2015، وقد حققنا كفاءة عالية جدا بجودة فائقة في تقديم الخدمات في جميع المجالات فإن عام 2016 سيكون رجعة للوراء بدلا من بداية النظر في مستقبل الخدمات الإلكترونية على مستوى القطاعات كافة. من جهة أخرى، توضح النتائج أن التعثر ليس في إنجاز المشاريع الإنشائية أو مشاريع العقود الجارية، بل أيضا مشاريع التشغيل والصيانة التي منها التشغيل الإلكتروني. فمنذ عام 2004 عندما انطلق نظام سداد للمدفوعات وما زالت بعض الجهات متأخرة في الانضمام إليه، مع أنه يضمن سير الخدمات الثلاث الأساسية (حكومي ـــ حكومي G2G & حكومي ــــ أعمال G2B & حكومي ــــ أفراد G2C بكفاءة وسرعة عالية. ألم يكن هذا البرنامج تجربة محلية سابقة نستفيد منها في كيفية الاهتمام بتسارع الأعمال وحساب تحقيق مستوى جيد للعائد على الاستثمار؟
ليتنا نهتم بالمحتوى وكيفية إدارته وتنميته فهو محرك رئيس للاستثمار. ثم الشفافية في طرح اقتصاديات المشروع من حيث ماهية الإيجابيات التي تحققت للآن، أو المتوقع تحقيقها خلال السنوات الثلاثة المقبلة. فمثلا هل ارتفع توظيف الشباب في هذه التخصصات الفنية، وانخفضت أعداد المراجعين للجهة، وحُوِّل بعض الموظفين من موقع إلى آخر لعدم الحاجة إليهم في مواقع غطتها الخدمات الإلكترونية، وانتظمت مدفوعات الجهات الحكومية، وتحددت معالم المشاريع الواجب على الجهات الشروع فيها، وخفت حركة المرور وانخفضت الحالات النفسية بين أفراد المجتمع. إصدارات البرنامج تفتح كثيرا من الأسئلة؛ لذلك سيكون تناول القضية من أجل إعانة القائمين على البرنامج في مستوياته المختلفة تحقيق الأهداف نظريًا وعمليًا.