التواصل الاجتماعي .. وغربتنا في منازلنا

أصبحت ظاهرة اقتناء وسائل التواصل الاجتماعي الحديث من مختلف الأجهزة في كل مكان وزمان ظاهرة مخيفة في مجتمعنا، لأنها أصبحت تقرب البعيد وتبعد القريب، حتى أن الأسرة الصغيرة الواحدة التي لا يتجاوز عدد أفرادها عدد أصابع اليد الواحدة وعلى سفرة طعامهم كل واحد منهم متواصل مع الآخرين بعقله وفكره وأحرفه وأصابعه، حتى إن كان جسده جالسا مع أهله على سفرة الطعام، هذه الظاهرة كانت محدودة خلال الفترة القريبة الماضية، واليوم أصبحت ظاهرة مقلقة في العلاقات الأسرية نظرا لغياب الضوابط الأسرية والنظامية لاستخدام هذه التقنية والتواصل الاجتماعي.
إن الفجوة الفكرية الأسرية التي ندفع بها بسبب سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الحديث وتعلق كل واحد من أفراد الأسرة بجهازه أو أجهزته على حساب وقت الأسرة والتواصل الأسري الاجتماعي معها سيؤدي إلى عديد من المشاكل والتفكك الأسري، الذي سيدفع ثمنه المجتمع ككل، ولعل الأحداث التي بدأنا نسمعها عن ردود الفعل السلبية عند بعض أولياء أمور عديد من الشباب الأولاد والبنات تؤكد ذلك، وذلك بسبب نوع المعلومات والصور والأفلام التي تصل إلى أجهزتهم من دون علمهم، وأغلبيتها - مع الأسف الشديد - تحمل كثيرا من المواد المخلة بالآداب، وهذه المواقف أدت إلى قيام والد بقتل ابنته لأنه وجد على جهازها فيلما يحمل عديدا من المشاهد المسيئة، وكذلك هروب شاب في عمر 14 عاما من منزل الأسرة بسبب اكتشاف والده وصول عديد من الرسائل المخلة بالأدب على جهاز ابنه، وربما دون علمه.
إن حالة الفجوة الأسرية وغياب الرقيب الداخلي أو ضعفه وانعدام الأنظمة والقوانين المجرمة لسوء استخدام التقنية وانفتاح الباب على مصراعيه لكل أنواع الهجوم الفكري، وتحول الأجهزة في أيدي الجميع إلى شيخ للإفتاء ومعلم للأخلاق والقيم واستغناء الصغير عن حكمة الكبير وابتعاد الكبير عن الصغير وتلمس احتياجاته، أوجد وسيوجد فجوة اجتماعية تنموية أسرية أخلاقية غير مسبوقة في فترة تبنى فيها الأجيال، ما يعني وجود أجيال قادمة تفتقد كثيرا من القيم التي بعث المصطفى - عليه الصلاة والسلام - لإتمامها، لقوله - صلى الله عليه وسلم: ''إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق''.
نحن بحاجة إلى تطوير ثقافة جديدة بكل ما تحتاج إليه من أدوات تتوافق والمتغيرات الحديثة، خصوصا في مجال التواصل الاجتماعي الميكانيكي والمضعف للتواصل الاجتماعي الأسري الطبيعي والاعتراف بهذه الظاهرة، التي إذا لم نعمل من الآن على الاعتراف بها أولا ثم دراستها دراسة اجتماعية أمنية سلوكية متأنية وصادقة حتى لا نجعلها تعيش في مجتمعنا وتنمو فيه وتكون ثقافتها ثم نجد أنفسنا غير قادرين على معالجتها، مثل عديد من الظواهر التي نراها اليوم دون القدرة على عمل أي شيء لإصلاحها وما يصاحبها من آثار سلبية على ديننا وقيمنا وعلاقاتنا الأسرية والمجتمعية والوطنية.
إن إعادة النظر لهذا الارتباط غير المبرر والمستدام بيننا وبين أجهزتنا وإضعافها لعلاقاتنا الأسرية والمجتمعية وأنها أحد الأسباب الرئيسة لفجوة أسرية تزداد مع الوقت، وإلى أن نتحرك رسميا يجب أن يعيد كل رب وربة أسرة الوضع داخل منزلهم والعمل على حماية هذه الرابطة الأسرية المقدسة من الضعف ثم الزوال، لأن كل واحد من أفراد الأسرة سيدفع الثمن غاليا وهو ثمن لا يمكن تعديله أو إصلاحه إذا تفاقم الوضع. وفقنا الله جميعا لتدارك الأمر وإصلاح الخلل ووضع الأنظمة الرسمية والمجتمعية والأسرية التي تقوي العلاقات الأسرية الطبيعية، وتضعف العلاقات الأسرية الآلية، والله من وراء القصد.

وقفة تأمل:

''إذا أرهقتك هموم الحياة
ومسك منها عظيم الضرر
وذقت الأمرين حتى بكيت
وضج فؤادك حتى انفجر
وسدت بوجهك كل الدروب
وأوشكت تسقط بين الحفر
فيمم إلى الله في لهفة
وبث الشكاة لرب البشر''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي