لماذا تكثر «الأزمات» في العالم العربي؟

يؤرقني السؤال المطروح في العنوان منذ زمن، والإجابة عنه تبعث في نفسي القلق والكآبة على حد سواء، خاصة ونحن نشاهد العالم العربي يرزح تحت وطأة أزمات متزايدة: أزمة ثقة بين الحكومات والشعوب، أزمة سكن، أزمة بطالة، أزمة غذاء، أزمة مياه، أزمة تعليم، أزمة طاقة، أزمة تعثر مشروعات.. والأفق العربي يتسع لمزيد من الأزمات!
عندما نشاهد هذه الأزمات، لا بد أن نفكر أن ''مسؤولا ما'' لم يقم بواجبه كما يجب، ولم يحل المشكلات الصغيرة في حينها، وتركها إلى أن تفاقمت وتحولت إلى أزمات.
إن الإجابة عن السؤال المطروح في العنوان أكبر وأعمق من أن تختزل في مقال أسبوعي واحد، وربما نحتاج إلى آراء متعددة تفسر سبب اشتعال العالم العربي بالمصائب والأزمات عن سائر مناطق العالم، هل ذلك يعود إلى الديكتاتورية أم الفساد أم البيروقراطية؟ هل هي السياسة أم الاقتصاد أم الثقافة؟ أم هي ''العقلية العربية'' mindset التي تميل إلى التسويف والتأجيل وعدم التخطيط واستبعاد الخطر أم ماذا؟
من وجهة نظري المتواضعة، أن ''تأزم العالم العربي'' يعود إلى سببين مترابطين:
- السبب الأول (سياسي/إداري): التعيين عند بعض العرب يتم على أساس المحسوبية وليس الكفاءة، وبالتالي يفتقر ''شاغل المنصب'' إلى القدرات القيادية، ويعجز عن أداء وظائف الإدارة (التخطيط، التنظيم، التوظيف، التوجيه، الرقابة)، ولا يتمكن من حل المشكلات واتخاذ القرارات بصورة صحيحة وآنية، كل هذا الفشل يؤدي إلى تنامي المشكلات وبلوغها مرحلة الأزمات، وفي الوقت الذي يعالج فيه المسؤولون السياسيون/الإداريون في الغرب المشكلات في مهدها، يقضي بعض المسؤولين العرب جل وقته في إطفاء ''الحرائق'' السياسية أو الإدارية.
- السبب الثاني (ثقافي): الثقافة العربية تشكل الفرد بطريقة تجعله يعيش ليومه، ولا يرى المستقبل في وطنه (ارجع للسبب الأول!)، العربي يعيش على البركة دون تخطيط، لذا تجده يتأثر بالمتغيرات ولا يبادر بالتغيير، تراه في الأحداث مفعولا به لا فاعلا، reactive not proactive، العربي لا يحب التحضير والاستعداد، ينجز أعماله في اللحظة الأخيرة أو بعد فوات الأوان، رغم أنه كان أمامه متسع من الوقت للعمل.
ولو لاحظنا فإن السببين يتداخلان بقاسم مشترك هو غياب التخطيط عند العربي – مسؤولا كان أو مواطنا عاديا – حيث تتغلب علينا النزعة للتعايش مع الحاضر دون التفكير في المستقبل.
لكن يجب أن ندرك أن كل ذلك مكتسب من البيئة وليس وراثيا (بدليل أن العربي يتغير إذا درس أو عمل خارج حدود عالمه المتأزم)، لذا يمكننا أن نحدث ''ثورة إدارية'' في مؤسساتنا العربية العامة والخاصة، أولا إذا وضعنا الفرد المناسب في المكان المناسب (التعيين على أساس الكفاءة لا المحسوبية)، وثانيا إذا اتبعنا النموذج التالي الذي يسهم في الحد من الأزمات:
- البراعة والسرعة في حل المشكلات واتخاذ القرارات: هناك مهارات يمكن اكتسابها عن طريق التدريب، وتساعد المدير على حل المشكلات واتخاذ القرارات بصورة سليمة وآنية تضمن نتائج جيدة.
- التمكن الإداري: هذا يتطلب من المسؤول أن يجيد أداء الإدارة بوظائفها الخمس، ولا سيما التخطيط والتنظيم.
- التواصل الفاعل: تمكن المسؤول من فهم مقاصد الآخرين (أفرادا، إدارات، مؤسسات) وإفهامه لهم بمقاصده عبر التحدث والكتابة والاستماع بطريقة فاعلة تسهم في تناغم العمل وتقلل من حدة التوتر في العلاقات.
- تحليل وإدارة المخاطر: وهذا يستوجب من المسؤول أن يقوم بالخطوات التالية: (1) حصر التهديدات. (2) تقدير حجم المخاطر الناجمة عن تلك التهديدات. (3) إدارة المخاطر. (4) إعادة إجراء تحليل المخاطر بشكل دوري.
ولعل العنصر الرابع يستوقفني كثيرا؛ لأن القيام به يمثل خطوة استباقية تمنع تفاقم المشكلات إلى أزمات، وهذا العنصر يجعل الغربيين يتفوقون سياسيا وإداريا على العرب، حتى إنه يقال إن تمكنك من ''إدارة المخاطر'' بنجاح يبعد عنك الحاجة إلى ''إدارة الأزمات''!
وتستطيع المؤسسات أن تفحص عشرة جوانب، كل منها يمثل تهديدا من داخل الكيان أو خارجه، وقد ينشأ عنه مخاطر، كالتهديدات السياسية، البشرية، المالية، التشغيلية، الإجرائية، التقنية، الطبيعية، وكذلك التهديدات المتعلقة بسمعة المؤسسة أو الناجمة عن إدارتها للمشروعات أو علاقتها مع المنافسين.
الجدير بالملاحظة أنه عندما تحصر المؤسسة التهديدات من داخلها ومن حولها، تقوم بعد ذلك بتقدير حجم المخاطر الناجمة عن التهديدات المذكورة، ومن ثم يتم التحرك لمواجهة هذه التهديدات في خطوة استباقية من خلال خطط للطوارئ ومن خلال إحداث التغيير في الأنظمة أو الإجراءات أو إعادة توزيع للموارد (البشرية أو المالية أو المادية).
إذن، المؤسسات التي تنجح في الإدارة والتواصل وتحليل المخاطر، تتبنى في الغالب نهجا إداريا يعتمد على عنصر ''المبادرة'' أو ''الاستباقية''، وهذا في حد ذاته كفيل بأن يقلص من احتمالية خروج المشكلة من طورها إلى طور ''الأزمة''.
السؤال الأخير: هل يستطيع المواطن العربي البسيط أن يخمد الأزمات المشتعلة في العالم العربي؟ ربما إذا بدأ كل منا من دائرته المقربة، فعلى الأقل نتضافر جميعا للحد من اندلاع المزيد من الأزمات، فما نعانيه حاليا أكثر من كافٍ!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي