طريق السعودة يبدأ بالطباخين

قابلت بالصدفة طباخين سعوديين في أحد لقاءات الأصدقاء، وتذكرت على الفور الطباخين السعوديين الذين استضافهم داود الشريان في برنامجه، وقد كانوا يشكون معاناتهم من أنهم لم يحصلوا على وظائف جيدة، مع العلم أن لديهم شهادات مهنية مرموقة بالطبخ ومنهم من درس في كندا، وكانوا يعتقدون أن الفنادق الكبيرة ستتنافس عليهم بحكم أنهم سعوديون وإن السعوديين لم يطرقوا بعد هذا الباب وهم قلة قليلة في هذا الكار، وأعتقد أنهم كانوا سيرفضون أول العروض المجزية التي تقدم إليهم ــــ لو قدمت لهم على سبيل الافتراض ــــ معتقدين أن باقي الفنادق الفخمة لو علمت بوجودهم لاستنفرت ودبت المنافسة فيما بينها فتنهال عليهم العروض المجزية من كل حدب وصوب، وفي النهاية سيختارون أحد العروض المجزية؛ لأن مقر عملهم الجديد سيبعد عن المنزل أمتارا عدة. وللأسف، فإن ذلك لم يحصل وصدموا بالواقع المرير وتم استقبالهم من قبل تلك الفنادق ببرود وفتور شديدين وبالمقولة الشهيرة ''ليس لدينا وظائف شاغرة''.
والوقع أنني لن ألقي اللوم على تلك الفنادق فنحن كالعادة لا نبحث المشكلة بجميع مسبباتها ونضع لها الحلول الشاملة، كعادتنا ندرس المشكلة بسطحية ونجد حلولا مليئة بالعاهات، حلولا قد تحل المشكلة مؤقتا أو تجعل المشكلة لا تظهر للسطح مرة أخرى، على الرغم من عدم انقراضها، فلو كانت مشكلتنا مثلا في تسرب مياه في أحد الممرات نتيجة صنبور مياه معطوب في إحدى الغرف لأقفلنا الغرفة التي ينبعث منها الماء بالأسمنت المسلح ولم نفكر في تصليح صنبور المياه المعطوب، كل ما فعلناه حيال مشكلة هؤلاء السعوديين أننا ألقينا اللوم على الفنادق الكبيرة، وطلبنا من أهل الخير أن يهبوا لمساعدتهم في فتح مطاعم خاصة لهم، إن ذلك لا يحل المشكلة، بل سيحسن وضع عدد من الطباخين استطاعوا أن يقنعوا داود الشريان بأن يتبنى مشكلتهم، وهناك استفسارات كثيرة في هذا الموضوع، من أهمها هل هؤلاء الطباخون مؤهلون لكي يعملوا بالفنادق الفخمة ذوات الخمسة نجوم أم لا، هل هناك طريق مهني واضح للطباخين الجدد لكي يشقّوا طريقهم في هذه المهنة ويصلوا في النهاية وليس في البداية إلى منصب مرموق في هذه المهنة، هل بيئة العمل والعوائد المالية من هذه الوظيفة مجزية وتلائم السعوديين، هل هناك مسار مهني مشرق للمتميزين فيها لكي يصلوا إلى مكانة رفيعة وعيش رغيد فيصبحوا نجوما فيها؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة نحتاج إلى دراسات ميدانية دقيقة، لقد أثير في أكثر من مناسبة أن التعليم لدينا لا يلبي احتياجات سوق العمل، وهذا مرده كما أرى إلى وجود فجوة بين التعليم وسوق العمل، فالعملية ليست بسيطة لكي نقول لدينا نقص في الوظائف الخاصة بالمحاسبين مثلا إذًا علينا أن نتوسع بتعليم المحاسبة ونوسع أقسامها بالجامعات ونقبل مزيدا من الطلبة فيها، بل يجب علينا أن ندرس المسار المهني لهذه المهنة، ونرى الوظيفة التي سيشغرها حين يتخرج، وكيف سيتطور ويترقى فيها، وما الدورات التدريبية أو الشهادات المهنية التي سيحتاج إليها لتحقيق ذلك التطور، وما المكانة التي سيحتلها المتميزون فيها فيكونون نجوما لامعين في مهنتهم، ولكي ننجح في ربط مخرجات التعليم مع سوق العمل علينا أن ندرس المسارات المهنية لكل مهنة ونخلق لها الوظائف الملائمة لكي يكون لدينا مسار مهني مناسب لاحتياجات المنتمين إلى هذه المهنة ومكانة ملائمة للمتميزين فيها، ومن ثم نفتح الأكاديميات وندعم الأقسام في الجامعات وندعم مراكز التأهيل المهني بما يناسب احتياجات المهن.
لقد كنت متأثرا جدا وأنا أشاهد الطباخين وهم يروون معاناتهم، وأيقنت أننا نحن من ضيعناهم، والذي زاد من غيظي أن مهنهم تعتبر مهنا مرموقة لدى الآخرين، وعلى الرغم من أننا لم نتعود على أن يشغرها سعودي فإنني متأكد من أننا وفي المستقبل القريب سنتأقلم معها وسننظر لها على أنها مهنة مرموقة، خصوصا لو بنينا لها مسارا مهنيا جيدا، فيكون المتميزون فيها بوظائف مرموقة في الفنادق ونجوما يقدمون برامج عن الطبخ في القنوات التلفزيونية، ولو دققنا فيمن يشغر هذه الوظائف لدينا لرأينا أنهم أجانب يحظون باحترام كبير لدينا، ويتقاضون المرتبات الكبيرة، فمتى نرى شيفا سعوديا يطل علينا من إحدى القنوات المرموقة ليخبرنا كيف نصنع الحمام المحشي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي