جهود المسؤولية الاجتماعية في مسار التنافس بين المناطق
منذ أن قرأت البحث الذي صدر عن أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية عام 2001 الذي أجراه الدكتور زايد الحارثي وكان بعنوان ''واقع المسؤولية الشخصية الاجتماعية لدى الشباب السعودي وسبل تنميتها'' وما زلت أبحث عن جديد يغير قناعتي عما خرجت به هذه الدراسة. في الواقع، فإن محافظة ''جدة'' اليوم تكرس الجهود في المسؤولية. وذلك بعد متابعة مستمرة لتنوع الجهود المبذولة في هذا المجال واستمرارها مستعينين في ذلك بالوسائل الإعلامية المختلفة. ومع ذلك ما زال أمام هذه المحافظة النشطة وباقي المحافظات في مناطق المملكة طريق طويلة لتغيير ثقافة الفرد السعودي عن المسؤولية الاجتماعية.
إن ما يجعلني أعيد الكتابة في هذا الموضوع بين الحين والآخر هو أن الدراسات التي تجرى لقياس تطور أو تحسن هذا المبدأ السامي أو هذه الثقافة بين أفراد المجتمع ما زالت تؤكد أن التوجه في حاجة إلى جهود الجميع وليس فقط الدولة. وأن مع ازدياد انتشار التعليم تضعف المسؤولية تجاه البيئة والنظام. شخصيا، وجدت أن بعض النتائج التي توصل إليها الحارثي في بحثه ما زالت تتكرر حتى اليوم كردود أفعال، مع أن مرور 12 عاما على صدور هذه الدراسة كفيلة بتغيير التوجه نحو بعضنا بعضا في زيادة التقارب والتعرف على بعض عن قرب. من ناحية أخرى، الغرفة التجارية في جدة نظمت في عام 2011 منتدى للمسؤولية الاجتماعية. ثم احتضنت أرامكو السعودية الملتقى الأول للمسؤولية الاجتماعية قبل عام من الآن (2012) وها هو يعقد للمرة الثانية في الرياض هذا العام (2013). فما مؤشرات التغير الايجابي اجتماعيا خلال هذه الفترة؟ وماذا نشر عن التحول المجتمعي وأين نشر؟ وهل هناك فوائد؟
الآن نحن نستخدم وسائل التواصل الاجتماعي وكأنه إدمان من نوع خاص، لكن ما ألاحظه (واقعيا يحتاج إلى دراسة علمية مركزة) إننا ننفّس عن أنفسنا بالكتابة والتصوير وغير ذلك من دون تأثير حقيقي في مجتمعنا المحيط على أقل تقدير. ومع كل الجهود فلم أجد في كثير من المناطق سوى ما تقوم به دولتنا ـــ أعزها الله ــــ. وما عدا ذلك فهي جهود فردية إذا ما قيست بتعداد السكان، ورقعة المملكة القارية، وحجم الميزانية، والمستوى التعليمي الذي وصلت إليه فئات عدة في المجتمع.. فماذا فعلنا لبعضنا بعضا؟
بغض النظر عن الملتقيات هل تعلمنا كيف نحمي بعضنا بعضا بنبذ الخبيث والسيئ والفاسد، والأخذ بيد المصلح والمطور، ومساعدة المثابر والطموح وذي النخوة؟ ولأننا نسمع عن تسريح السعوديين من هذه الشركة أو تلك، وتزايد نسب الطلاق بين الشباب، وتعدٍّ على الحقوق... إلخ. فهل قامت شركة أو مجموعة شركات أو مصرف أو عدة مصارف بإبراز هذا الموضوع للسطح، وتم تخصيص بعض من الموارد لبرامج تعنى مثلا بتعويد هذا الفرد على العمل الجاد أو تقليص نسب الطلاق بين الشباب أو تهيئة الشباب لتكوين أسرة وتربية الأولاد في كنف الوالدين... إلخ؟ هل تعلمنا الاستفادة من العولمة فتحركنا معا لتعضيد ركائز التكامل بيننا في العمل والحياة الاجتماعية فاهتم البعض بـ''الوقف'' وآخرون بـ''التطوع'' وهكذا؟. هل تعلمنا من بعضنا بعضا كيف نتعرف على ماهية التحديات والتغلب عليها واستمرار تطوير مهاراتنا فنستفيد مما استجد بكل براعة وإتقان للانتقال للمرحلة التالية؟ هل يمكن لنا أن نحدد إنجازاتنا في المسؤولية الاجتماعية من حيث اكتمال صدور الأنظمة واللوائح المتعلقة بها ونشر الدراسات علنا ومن دون استحياء؟
ليتنا نكرس الجهود في تعريف ماهية التحديات التي نواجهها في هذا المجال. دائما ما نقرأ عن وجود تحديات تواجه تحقيقنا مستويات متقدمة ونسبا عالية في المسؤولية الاجتماعية على المستوى الفردي والمؤسسي. وفي العادة نستطرد في الحديث بعمومية واستعراض لغوي راقٍ من دون أن نشرح للعامة بعض التفاصيل المهمة. لذلك يمكن أن نلخص أهم العوائق التي تواجه تحقيق تقدم ملحوظ في المسؤولية الاجتماعية في التالي: (1) الوضع الاقتصادي؛ حيث إن التقلبات الاقتصادية التي يمر بها العالم اليوم لا يمكن أن تغفل في أي بلد كان حتى المستقر منها؛ لأن التعاون والتبادل التجاري قائم ومستمر، وهذا في حد ذاته يجعل المستثمر بين متردد وسلبي في القيام بأي بادرة تتطلب تمويلا. كما أنه بناءً على ترتيب الدول من حيث الائتمان المالي والشفافية المالية تغيرت مراكز القوى بين الدول وظهر أن الدول الأوروبية في القارة العجوز تعاني، والأمريكتين تمران بأزمات متتالية؛ ما جعل آسيا وإفريقيا مكشوفتين والدول المتقدمة بها اقتصرت مبادراتها على أوضاعها الداخلية. (2) الاستقرار السياسي؛ حيث إن الدول الفقيرة تتغير قياداتها بسرعة والدول العربية غير مستقرة إلى الآن ولعدم الثقة في القيادات والأنظمة، تتباطأ حركة الدول العشرين عن القيام بأي تقدم إيجابي، فنجد أن خريطة المبادرات تغيرت عالميا، وستظل في تغير إلى أن نتدخل بعمل ما يحركنا في الاتجاه الصحيح. من هذين العائقين السابقين يمكن أن نضع أنفسنا خارج تأثيرها لأننا وبحمد الله نتمتع بالاستقرارين وهي نعمة تستحق منا شكر الله عليها ما حيينا. لكن ماذا عن بقية التحديات؟. للحديث تتمة.