الخطة الخمسية العاشرة (1 من 3)

الخطط الخمسية للدولة التي بدأت المملكة في الأخذ بها منذ عام 1970 تعتمد على البعدين الزمنيين الطويل والقصير، البعد الزمني طويل المدى المتمثل في الرؤية والأهداف، والبعد الزمني القصير المتمثل في البرامج والمشاريع المطلوب تنفيذها خلال خطة خمسية واحدة، أي في حدود خمس سنوات، وربما بعض تلك البرامج والمشاريع تتطلب خطتين خمسيتين، ما يعني أننا نحتاج إلى عشر سنوات، وخلال الخطط الخمسية التسع التي تم تنفيذها في المملكة لمسنا العديد من الإنجازات التنموية التي لا ينكرها إلا جاهل بمفهوم التنمية أو حاقد لا يقدر الجهود التي تبذل من أجل الإنسان والمكان السعودي، لكن يبقى بعض الملاحظات التي يتطلبها التطوير التنموي وتعزيز الاستفادة وتفعيل المفهوم الأشمل للخطط الخمسية، خصوصا أننا نستعد الآن للإعداد للخطة الخمسية العاشرة للفترة من 2016 إلى 2020، التي تتطلب رؤية أكثر قربا لمتغيرات الزمان والمكان مستفيدة من تجارب تسع خطط سابقة.
إن الخطة الخمسية العاشرة تحتاج إلى القرب أكثر من واقع التنمية في كل منطقة من مناطق المملكة، وأن تسعى لتطوير كل منطقة وفقا للواقع التنموي الذي تعيشه والإمكانات الطبيعية والبشرية التي تملكها، وفي الوقت نفسه أن تركز الخطة الخمسية العاشرة للدولة على تجسير الفجوة التنموية بين مختلف المناطق، وهذا الأمر يتطلب نظرتين تنمويتين: وطنية وإقليمية، يتم من خلالهما تعزيز التنمية من جهة وتحقيق التكامل التنموي بين القطاعات ضمن كل منطقة ودعم العمل المؤسسي المشترك وإيجاد آليات فاعلة للتنسيق بين مختلف المشاريع والبرامج الجاري تنفيذها أو المطلوبة ضمن الخطة الخمسية العاشرة، لأن أكبر مشكلة تعانيها مشاريع كل منطقة غياب التنسيق التنموي للمشاريع والبرامج بين مختلف القطاعات، وهو ما يتطلب دعم دور الإدارة المحلية، وهذا الأمر سيحقق تعظيم الفائدة من كل هللة تصرف، وكل ثانية تمنح لكل مشروع وبرنامج.
إن العمل على مستوى المناطق يتطلب مع الإعداد للخطة الخمسية العاشرة التركيز على أمرين مهمين هما: تعزيز دور الإدارة المحلية أو المرجعية المحلية والفصل بين السلطات الراسية بحيث يتم إيضاح دور الأجهزة المركزية ودور الأجهزة المحلية أو الإقليمية في إدارة التنمية في كل منطقة بدل الوضع الغامض والمربك الحالي الذي نراه في كل عمل يتم بحيث يجد رئيس كل قطاع الكثير من الحرج في أداء عمله، لأن رئيسه في الجهاز المركزي له توجيهات وتوجيهات تتصادم أحيانا مع رئيسه في المنطقة، ما يجعل العمل مربكا للجميع ومعطلا للإنجاز، والشواهد في هذا الأمر كثيرة لا تسمح المساحة المعطاة للمقال لذكرها، لكنها معروفة للمسؤولين في كل الأجهزة المركزية والمحلية، وتعتبر واحدا من أهم معوقات التنمية وعدم الاستفادة من المشاريع والبرامج الاستفادة الحقيقية التي تم عملها وإنشاؤها من أجلها، وهذا أحد أهم الأسباب التي تجعل المواطن دائما في تضجر من سوء الخدمات والمرافق وعدم تحقيقها أهداف التنمية، وعلى رأسها رفاهية المواطن وراحته واستدامة الاستفادة من كل البرامج والمشاريع المنفذة.
إن هذا الأمر المربك لأهداف وأعمال التنمية يتطلب نظرة أكثر صدقا وشفافية وواقعية لإعطاء دور أكبر للإدارة المحلية للقيام بعملها بما يخدم أهداف الخطط الخمسية للدولة، وفي هذا السياق يأتي الاقتراح الثاني مع الاستعداد للخطة الخمسية العاشرة وهو الطلب من كل مجلس منطقة أن يتم رفع كل البرامج والمشاريع المطلوبة ضمن الخطة الخمسية العاشرة كحزمة تنموية واحدة تمثل متطلبات التنمية وأولوياتها في كل منطقة بدل أن تقوم كل وزارة أو قطاع بطلب مشاريعه وبرامجه وحدها، وهو ما يؤدي إلى الكثير من الازدواجية والتأخير وسوء التنفيذ وضعف مخرجات التنمية في نهاية الأمر.
إن المقترحات السابقة فيما يتعلق ببعض متطلبات التنمية على المستوى الإقليمي وأهمها تعزيز المرجعية المحلية والرفع بمشاريع وبرامج كل منطقة وفقا لمتطلباتها من أرض الواقع بدل ما نراه اليوم من سلبيات تنموية، وفي المقابل دعم التنمية الوطنية وفقا لرؤية خطط سأتطرق لها في المقال القادم - إن شاء الله. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

وقفة تأمل
«يا ربِّ من لامرئٍ ضاقت مسالِكُهُ
وليس يدري بما في نفسِهِ أَحَدُ
يبدو مع الناس مِمْراحاً بِهِ طَرَبُ
وإن تَوَحَّدَ يستشري به الكَمَدُ
إذا سجى الليلُ تلقاهُ غدا شبحاً
قُدَّت له من دياجي هَمِّهِ بُرَدُ
يَظلُّ يطلبُ طعمَ النومِ في لَهَفٍ
فما يَقرُّ ولا يشفى له كَبِدُ»

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي