السوق البترولية تميل للتوازن في 2013 بأسعار عند مستوى 100 دولار للبرميل
تعتبر السوق والصناعة البترولية الدولية من أكثر الأسواق والصناعات تغيرا وديناميكية، مع تداخل العوامل السياسية، والاقتصادية، والتكنولوجية، مع البترول بشكل كبير. فلو نظرنا إلى أحداث السنوات الخمس الماضية كمثال، لاتضحت لنا أبعاد هذه الديناميكية، وسرعة التغيرات فيها، وصعوبة استقراء مستقبلها، وهذا يشمل على سبيل المثال:
- ارتفاع أسعار البترول في منتصف عام 2008 إلى 147 دولارا، ثم انهيارها قبل نهاية العام إلى 36 دولارا للبرميل.
- انتشار فكرة وصول الإنتاج البترولي إلى ذروته، وبداية انخفاضه عالميا، وأن السعودية، على سبيل المثال، سيبدأ إنتاجها في التراجع مع عام 2008. وللمقارنة فإن إنتاج السعودية خلال عام 2012، ارتفع إلى مستويات تاريخية، لم يصلها منذ ثلاثة عقود. ولم يعد أحد يتحدث الآن عن ذروة الإنتاج.
- استمرار زيادة الطلب العالمي من الدول الناشئة، واستمرار انخفاضه من الدول الصناعية (دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية)، وفي عام 2014، سيكون استهلاك الدول الصناعية، لأول مرة في تاريخ البترول، أقل من بقية دول العالم، بينما كان استهلاك الدول الصناعية، يمثل نحو 70 في المائة، منذ 20 عاما.
- زيادة الإنتاج من دول ومناطق مختلفة من العالم، لعل من أهمها: العراق، والبرازيل، وكندا. وأصبحت العراق لأول مرة، ثاني أكبر دولة منتجة ومصدرة للبترول في الأوبك، وثالث دولة مصدرة عالميا، حسب التقرير الشهري لمنظمة الأوبك.
- توقف الإنتاج الليبي كليا في منتصف عام 2011، ثم عودته إلى ما يقارب ما كان عليه، في عام 2012. - حركات الربيع العربي، التي أدت إلى توقف الصادرات أو انخفاضها بشكل كبير من دول مثل مصر، وسورية، واليمن، كما أدى الصراع بين دولتي السودان، وجنوب السودان، إلى توقف صادرات الأخيرة.
- إعصار تسونامي، الذي ضرب اليابان في مارس 2011، وأدى إلى إغلاق أغلبية معاملها النووية، كما أدى إلى تجميد خطط زيادة الطاقة النووية في كثير من الدول، فبعض الدول مثل ألمانيا، أصبح لديها خطط من أجل الإيقاف الكلي للطاقة النووية.
- المقاطعة الغربية للبترول الإيراني، والضغوط الغربية على الدول والمصارف المختلفة، لإيقاف الاستيراد من إيران، الذي أثر في الصادرات الإيرانية من البترول، إلا أن الأرقام ما زالت متفاوتة في هذا الخصوص.
- إنتاج الزيت والغاز الصخري، بكميات كبيرة، وبالذات في الولايات المتحدة، بحيث تحولت أمريكا من دولة تستورد الغاز، إلى دولة تعمل على تصديره، كما انخفضت أسعار الغاز لكل مليون وحدة قياسية بريطانية من أكثر من تسعة دولارات في أواخر عام 2005 إلى أقل من دولارين في نيسان (أبريل) عام 2012، ثم عادت إلى الارتفاع في الأشهر التالية، لتصل إلى حدود أربعة دولارات الآن. وزاد إنتاج الولايات المتحدة من البترول بنحو ثلاثة ملايين برميل يوميا، بعد أن كان في مرحلة انخفاض مستمر، سنة بعد أخرى، منذ عام 1985.
لا شك أن هذه التطورات الكبيرة، وفي فترة قصيرة (خمس سنوات فقط)، توضّح ديناميكية السوق والصناعة البترولية، وصعوبة التنبؤ باتجاهاتها المستقبلية.
وكجزء من هذا النقاش، من المناسب الإشارة إلى أهم العوامل المؤثرة في الطلب والعرض من البترول. ففي جانب الطلب فإن أهم العوامل هي:
أولا: وضع الاقتصاد العالمي، من حيث النمو أو الانكماش، فالنمو الاقتصادي يؤدي إلى مزيد من الطلب، وإن اختلف ذلك من بلد إلى آخر، حسب مستوى الرفاه الاجتماعي.
ثانيا: السياسات والأنظمة الحكومية، التي تشمل الضرائب على المنتجات البترولية، التي قد تصل إلى 70 في المائة في بعض الدول الأوروبية، وأنظمة وشروط كفاءة استخدام الطاقة، والدعم الحكومي المباشر، أو غير المباشر لكل، أو لبعض مصادر الطاقة، وهذا يشمل كذلك عدم ربط أسعار المنتجات البترولية بالأسعار العالمية، كما هو موجود في عديد من الدول، وبالذات الدول المنتجة للبترول.
ثالثا: الأسعار العالمية للبترول: فارتفاع الأسعار يؤدي إلى تباطؤ نمو الطلب على البترول، وانخفاضها يؤدي إلى زيادته، وإن كانت هذه الزيادة بدرجة أقل. وقد اتخذت أغلبية الدول الصناعية، خطوات للتقليل من آثار هذا الارتفاع، من خلال الضرائب العالية المفروضة على المنتجات البترولية، التي يتم إقرارها في الغالب عند انخفاض الأسعار. كما يتم فرضها من منطلقات بيئية، مثل خفض العوادم، وخفض ثاني أكسيد الكربون، ومحاربة الانحباس الحراري. والدول الناشئة لم تفرض ضرائب عالية على البترول، لأن أولويتها في الوقت الحاضر هي استمرار النمو الاقتصادي، والرفاه الاجتماعي، الذي تسهم فيه أسعار الطاقة المعتدلة.
والعوامل المؤثرة على العرض يمكن اختصارها في النقاط الثلاث التالية:
أولا: أسعار البترول، فكما أن الأسعار تؤثر في جانب الطلب، فإنها كذلك تؤثر في جانب العرض، وبالذات في عمليات الاستكشاف، والإنتاج. فعندما تنخفض الأسعار بشكل حاد، مثلما حدث في أواخر التسعينيات، تنخفض عمليات الاستكشاف، وقد يتوقف الإنتاج بشكل تام من بعض الحقول ذات التكلفة العالية. وعندما ترتفع الأسعار إلى مستويات عالية، كما حدث خلال السنوات العشر الماضية، تزداد عمليات الاستكشاف، ويرتفع الإنتاج من المناطق الصعبة، مثل البحار العميقة جدا، والزيت الرملي، والزيت الثقيل جدا، والبترول الصخري.
ثانيا: التكنولوجيا، التي تعني تطوير طرق جديدة، أو رخيصة، لاستكشاف، وإنتاج، وتكرير البترول، بأنواعه المختلفة، فبسبب التكنولوجيا، استطاع العالم، ليس فقط تعويض ما يتم إنتاجه باحتياطيات جديدة، بل زيادة نسبة الاستخراج من الاحتياطيات المعروفة بشكل مستمر. وبسبب التكنولوجيا، تم تخفيض تكلفة الإنتاج وتطوير احتياطيات جديدة، في المناطق الصعبة، والأنواع الثقيلة جدا من البترول. ثالثا: الأوضاع السياسية في الدول المنتجة. وهذا العامل يعتبر من العوامل التي أثرت في العرض العالمي من البترول، منذ بدايته كتجارة عالمية، في أواخر القرن التاسع عشر، وإلى الآن، ومستقبلا.
وبسبب العوامل السياسية، تذبذب الإنتاج بشكل حاد من دول بترولية، مثل إيران، والعراق، وليبيا، ونيجيريا، وفنزويلا، وكولومبيا. ويساوي هذا في الأهمية، أن العوامل السياسية، التي من أهمها عدم الاستقرار السياسي، أو الصراعات العسكرية الحقيقية أو المحتملة في بعض مناطق الإنتاج، تساهم في وجود سعر إضافي، يقدر ما بين عشرة، إلى 30 دولارا للبرميل الواحد. حتى وإن كانت السوق متوازنة من حيث أساسياتها (العرض والطلب ومستوى المخزون).
عند هذه النقطة، أود الحديث عن أوضاع السوق البترولية، خلال هذا العام، وخلال هذا العقد، أي إلى عام 2020، آخذا في الاعتبار أن هذه التوقعات مبنية على عدم حدوث هزات سياسية أو اقتصادية أو حتى طبيعية غير متوقعة في مناطق الإنتاج أو الاستهلاك، تؤثر في الأسعار، أو معادلة العرض والطلب، كما أن هذه التوقعات مبنية على عدة مصادر، لعل من أهمها منظمة الأوبك، ووكالة الطاقة الدولية، وبعض شركات البترول، ومراكز الأبحاث والاستشارات البترولية، كما أن هذه التوقعات، لا تعكس موقفا رسميا للسعودية، ونظرتها تجاه مستقبل السوق.
وبداية الحديث، هذا العام 2013، سيكون وضع الاقتصاد العالمي، مشابها للعامين السابقين، أي نمو في حدود 4.2 في المائة. وستقود الدول الآسيوية هذا النمو، وعلى رأسها الصين، الهند، وإندونيسيا، كما ستشهد بعض الدول الإفريقية جنوب الصحراء، وبعض الدول العربية، ودول أمريكا الجنوبية، والاتحاد السوفياتي السابق، نموا اقتصاديا جيدا، وستشهد الولايات المتحدة، تعافيا في اقتصادها مع نمو في حدود 5.1 إلى 2 في المائة.
وبتروليا، فإن عام 2013، فمن مطلعه يشير إلى أن السوق ستكون في حالة توازن واضح، مع استقرار الأسعار عند معدلات قريبة من مستوياتها الحالية، أي نحو 100 دولار للبرميل، وبالنسبة للطلب فسيستمر الطلب الأوروبي في الانكماش بمعدل السنوات الثلاث الماضية، في حدود نحو 250 ألف برميل يوميا، أما الولايات المتحدة فسيتوقف انخفاض الطلب نظرا للنمو النسبي في الاقتصاد، وقد يرتفع ولكن بمستوى محدود.
أما في بقية دول العالم، فإن الطلب على البترول سيرتفع بمعدلات جيدة، نتيجة للنمو الاقتصادي وتحسّن مستوى المعيشة، وستقود الصين الزيادة في الطلب، كما حدث خلال السنوات العشر الماضية، وستساهم الدول الآسيوية الرئيسة الأخرى في زيادة الطلب، وكذلك بعض الدول العربية، وبالذات الدول المنتجة للبترول.
ومن المتوقع أن يكون مجمل زيادة الطلب العالمي على البترول خلال هذا العام، في حدود مليون برميل يوميا، بحيث يتعدى متوسط الطلب العالمي من البترول 90 مليون برميل يوميا، ولأول مرة في التاريخ.
أما في جانب العرض خلال هذا العام، فإن الإنتاج سوف يرتفع من عدة مناطق، لعل من أهمها الولايات المتحدة وكندا، وفي الوقت نفسه ستشهد مناطق أخرى انخفاضا في إنتاجها، من ضمنها: بحر الشمال، وأنجولا، والمكسيك، إضافة إلى استمرار توقف الإنتاج كليا، أو جزئيا، من دول مثل سورية، والسودان، واليمن. وقد يصل إجمالي زيادة الإنتاج من خارج الأوبك إلى نحو مليون برميل يوميا.
وعلى افتراض أن أوبك استمرت في مستوى الإنتاج الحالي 30.5 مليون برميل يوميا، كما هو متوقع، فإن هذا يعني استمرار التوازن في السوق خلال هذا العام، مع حدوث سحب من المخزون التجاري، في الربع الأخير.
ورغم هذا التوازن، فإن هناك تغيرا في خريطة التجارة العالمية للبترول من حيث النوعية والاتجاه، لها أهميتها المستقبلية، الناتجة من عدة عوامل، لعل أهمها ارتفاع المعروض من البترول الخام الخفيف من الولايات المتحدة، الذي أسهم في استمرار انخفاض أسعاره في أمريكا الشمالية مع انخفاض استيراد الولايات المتحدة من بحر الشمال ودول غرب إفريقيا، وهي دول تنتج البترول الخفيف، وفي الوقت نفسه، ارتفعت واردات الولايات المتحدة من دول الخليج العربي خاصة من البترول ذي النوعيتين الثقيلة والمتوسطة.
ومن العوامل المؤثرة في هذا التغير أن عديدا من المصافي الأمريكية مصممة أصلا، أو طورت كفاءتها لاستخدام الأنواع الثقيلة من البترول، ذات الأسعار المنخفضة نسبيا، كما زادت طاقتها التكريرية، بحيث أصبحت الولايات المتحدة الآن، أكبر دولة مصدرة للمنتجات البترولية، بحدود ثلاثة ملايين برميل يوميا. والعام القادم، 2014، سيكون عاما مهما في السوق البترولية، وفي الاقتصاد العالمي ككل. فمن المتوقع انتهاء الأزمة المالية الأوروبية، وتعافي اقتصاداتها، وعودتها إلى النمو، وإن كان بشكل محدود، وفي أسوأ الأحوال سيتوقف الاقتصاد الأوروبي عن الانكماش، وبالنسبة للولايات المتحدة من المتوقع أن يتم التعامل بشكل معقول مع المشاكل المالية، وألا تعرقل الاختلافات السياسية الداخلية سيرة التعافي الاقتصادي، بحيث يعود الاقتصاد الأمريكي إلى النمو بحدود 2 في المائة أو أكثر، أما بقية دول العالم، فسوف يستمر نموها في المستوى الحالي نفسه أو أكثر، مما يعني عودة الاقتصاد العالمي إلى النمو بأكثر من 3 في المائة.
وسوف ينعكس هذا النمو الاقتصادي على الطلب على البترول، بحيث يصل الطلب بين 1 و1.2 مليون برميل يوميا خلال عام 2014. وفي جانب العرض، فإن الولايات المتحدة وكندا، ستستمران في زيادة إنتاجهما، عام 2014، وسيرتفع الإنتاج من دول أخرى، لعل من أهمها: عمُان، وكازاخستان، وبعض دول إفريقيا. وفي الوقت نفسه سيستمر انخفاض الإنتاج من بحر الشمال، بحيث تكون المعادلة النهائية زيادة العرض من البترول بين 0.8 و1 مليون برميل يوميا، وهي مقاربة لزيادة الطلب العالمي، مما يعني استمرار توازن السوق، وعلى افتراض استمرار دول الأوبك في الإنتاج حسب مستوياتها الحالية، أو بزيادة معقولة لا تؤثر سلبا في توازن العرض والطلب.
وخلال السنوات الخمس التالية (2015 - 2020)، فإن الطلب العالمي سيستمر في النمو بالوتيرة نفسها تقريبا، حسب أغلبية التقارير العالمية، أي في حدود 1.2 مليون برميل يوميا، ليصل في عام 2020 إلى نحو 98 مليون برميل يوميا، وفي الوقت نفسه سيستمر العرض من خارج الأوبك في النمو، وبالذات من شمال أمريكا، وبعض مناطق إفريقيا، والبحار العميقة في البرازيل وخليج المكسيك، وبمعدل سنوي يصل إلى ما بين 600 و800 ألف برميل يوميا، بحيث يصل الإنتاج من خارج الأوبك بحلول عام 2020 إلى 62 مليون برميل يوميا.
ومن هنا، فإن دول الأوبك، خلال هذه الفترة، في حاجة إلى زيادة إنتاجها بشكل تدريجي، ليصل بحلول عام 2020 إلى نحو 34 مليون برميل يوميا، على افتراض رغبة دول الأوبك، تحمل مسؤولية استمرار توازن السوق، واستقرار الأسعار عند مستوياتها الحالية، أي أن دول الأوبك، تلتزم بدور المنتج الموازن للسوق. أي عدم الإنتاج أكثر من حاجة السوق، وهو الدور الذي قامت به، خلال الـ 30 عاما الماضية على الأقل. وفي هذا الوضع ستكون الطاقة الإنتاجية الفائضة، لدى الأوبك ما بين أربعة إلى خمسة ملايين برميل يوميا، أغلبيتها لدى دول الخليج، وبالذات السعودية وإيران والعراق والكويت والإمارات، وهي طاقة فائضة مناسبة، ليست عالية لتضغط على الأسعار سلبا، كما حدث في النصف الأخير من الثمانينيات، وليست منخفضة لتسهم في ارتفاع الأسعار كما حدث في الأشهر الأولى من عام 2008. ونظرا لأهمية الزيت والغاز الصخري، ودورهما المستقبلي في معادلة الطاقة العالمية، خلال هذا العقد والعقود التالية، ونظرا للحديث الموسّع عن هذا الموضوع، إقليميا وعالميا، وهو حديث يتسم، في الغالب، بكثير من المبالغة وبمعلومات غير دقيقة، فإننا سننظر إلى الموضوع بشكل واقعي ولكن بتفصيل مختصر.
الزيت الصخري ليس مصدرا جديدا للطاقة، بل هو معروف منذ عدة عقود، وله عدة أنواع ومسميات، وهو عبارة عن تكونات بترولية صغيرة داخل صخور رسوبية صماء، يحتاج استخراجها إلى تقنية عالية، يستخدم فيها الماء بكميات كبيرة، والرمل، وبعض المواد الكيميائية، وبضغط عالٍ جدا، ليتم تكسير الصخور، وخروج الغاز أو الزيت منها.
وقد ساعد في ظهور الزيت والغاز الصخري على خريطة الطاقة العالمية، خلال السنوات الثلاث الماضية، عاملان رئيسان: الأول، ارتفاع أسعار البترول، بحيث أصبح استخراج البترول الصخري مجديا اقتصاديا، والعامل الآخر: التطور التقني، وبالذات في وسائل الحفر، بحيث أصبحت آلات الحفر تقوم بحفر عدة آبار في فترة زمنية قصيرة، وهذا أمر ضروري للزيت الصخري، نظرا لتكلفة إنتاجه العالية، وسرعة نضوب آباره، التي تصل إلى ما بين 30 في المائة إلى 70 في المائة سنويا، مقارنة بالبترول التقليدي، التي تصل إلى 5 في المائة فقط، ويستدعي استمرار إنتاج الزيت الصخري، حفر عدد كبير من الآبار في مناطق الإنتاج، وباستمرار أكثر من حالة البترول التقليدي. وإنتاج الزيت والغاز الصخري، لا يزال مقتصرا على الولايات المتحدة وكندا، نظرا إلى العاملين السابقين (السعر والتكنولوجيا)، ونظرا إلى عوامل أخرى، لعل من أهمها، السعر المناسب للغاز داخليا، وبالذات خلال السنوات القليلة الماضية، وتميز الولايات المتحدة، بالمبادرات التجارية والتكنولوجية، وتوافر رأس المال، ونظام ملكية أغلبية الأرض المحتوية على حقول البترول والغاز، التابعة للأفراد، أو الشركات، وليس للحكومة، مما يعطي المستثمرين حرية أكبر، في جميع عمليات الإنتاج، وبتدخل محدود من البيروقراطية الحكومية.
ونتيجة لهذا، فقد تضاعف إنتاج الولايات المتحدة خلال السنوات الثلاث الماضية من الغاز الصخري، من أربعة آلاف مليار قدم مكعب، إلى 8500 مليار قدم مكعب سنويا، كما ارتفع إنتاجها من البترول والغاز المسال بحدود ثلاثة ملايين برميل يوميا، ومن المتوقع أن يستمر إنتاجها من البترول في الارتفاع سنة بعد أخرى.
أما إنتاج الغاز الصخري فقد تباطأ نتيجة لانخفاض أسعاره، إلى مستويات جعلته غير مجدٍ اقتصاديا. والحل الوحيد هو التصدير، وعن طريق التسييل، وتقوم الصناعة البترولية الأمريكية بالضغط على الحكومة لتحقيق هذا الهدف، إلا أنه قد يأخذ بعض الوقت للموافقة عليه، ومن ثم التأثير في أسعار الغاز محليا وعالميا. ولا بد من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ستستمر كأكبر دولة مستهلكة ومستوردة للبترول خلال السنوات العشر القادمة على الأقل، بالرغم من زيادة إنتاجها من البترول.
وبجانب الولايات المتحدة، توجد كميات كبيرة من البترول والغاز الصخري في كافة أنحاء العالم.. إلا أن الشركات الأمريكية ما زالت لها السبق، في اكتشاف وتطوير وإنتاج الغاز والبترول الصخري، وهذه الشركات بدأت في الاستثمار في هذا المجال خارج الولايات المتحدة، كما أن الشركات العالمية الأخرى بدأت تستفيد من التجربة والتقنية الأمريكية، مما يعني مزيدا من الاكتشافات والإنتاج في عدة مناطق من العالم.
والصين من الدول التي بدأت عمليات الاستكشاف والإنتاج التجريبي من الغاز الصخري، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج التجاري خلال السنوات الخمس القادمة. كما أن دولا أخرى، أعطت شركات وطنية أو عالمية امتيازات الاستكشاف وإنتاج الغاز الصخري.
وبالنسبة لدول الأوبك، فقد تم اكتشاف كميات كبيرة، من الغاز الصخري في السعودية، وهناك تجارب لإنتاجه فيها. وهناك فرص كبيرة لإنتاج الزيت والغاز الصخري في عديد من دول الأوبك ومن ضمنها ليبيا والجزائر. ولا شك أن دولا أخرى لديها الإمكانات نفسها.
ولا بد من الإشارة، إلى أن أهم معوقات إنتاج البترول والغاز الصخري، في أغلبية الدول العربية، إضافة إلى تكلفة إنتاجه العالية، هي توافر المياه بكميات كبيرة، التي تحتاجها عمليات الإنتاج، كما أن انخفاض أسعار الغاز الطبيعي محليا، التي تعتبر من أقل الأسعار عالميا، وحتى أقل أحيانا من تكلفة إنتاجه الحقيقية، وخصوصا إنتاج الغاز الصخري، تعيق عمليات استكشاف وإنتاج هذا النوع من الوقود. وبالرغم من الحديث عن وجود كميات كبيرة جدا، من الغاز والزيت الصخري في عديد من مناطق العالم. إلا أن وضع الإنتاج من حيث الكمية والتكلفة والطبيعة الجيولوجية لمناطقه المختلفة، ما زالت غير واضحة، حتى داخل الولايات المتحدة وكندا. وقد يحتاج الأمر إلى خمس سنوات على الأقل، ليتضح الوضع بشكل جيد، بحيث يمكن الحكم على وضعه المستقبلي في عديد من دول العالم، وتأثيره في سوق الطاقة محليا وعالميا.
والزيادة في إنتاج الزيت الصخري، خلال بقيه هذا العقد، ستكون مقتصرة على الولايات المتحدة وكندا، في حدود مليون ونصف برميل يوميا، وهي كمية صغيرة في سوق يصل الطلب فيها إلى أكثر من 90 مليون برميل يوميا. أما بقية دول العالم، فمن غير المتوقع إنتاج الزيت الصخري قبل بداية العقد القادم على أفضل الأحوال، فهناك كثير من الصعوبات التي تواجه عمليات إنتاج الزيت والغاز الصخري، أولها وأهمها التكلفة العالية، التي تصل ما بين 70 و80 دولارا للبرميل الواحد، حسب سعر خام زيت غرب تكساس، وما بين أربعة إلى ستة دولارات لكل مليون وحدة قياس بريطانية بالنسبة للغاز، ومن ضمن المشكلات التي يواجها إنتاج البترول والغاز الصخري سرعة نضوب احتياطياته، كما ذكرنا سابقا، التي تصل إلى ما بين 30 في المائة و70 في المائة سنويا، مقارنه بالبترول التقليدي التي في حدود 5 في المائة. وسرعة النضوب هذه تعني المزيد من الحفر في مناطق شاسعة.
كما أن إنتاج الزيت الصخري يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، وهذه قد تشكل مشكلة بيئية، وبالذات في دول حساسة في الجوانب البيئية، مثل الولايات المتحدة، وأوروبا، حيث للرفاه العام أولوية خاصة، وليس توفير الاحتياجات الأساسية للفرد، كما هو الوضع بالنسبة لأغلبية دول العالم.
وعند هذه النقطة سوف أنتقل إلى الحديث، عن تأثير إنتاج الزيت الصخري، في وضع السوق البترولية الدولية خلال هذا العقد. فهناك تخوف واضح من قبل بعض الدول المنتجة للبترول، وبالذات دول الأوبك والدول العربية، من التأثير السلبي للزيت الصخري على السوق البترولية، من حيث زيادة العرض بكميات كبيرة، الذي بدوره قد يؤدي إلى انهيار الأسعار، أو اضطرار الدول المنتجة الرئيسة، وبالذات دول الأوبك، إلى تخفيض إنتاجها، لإعطاء مساحة لزيادة الإنتاج من الزيت الصخري.
ولكن هذا التخوف، ليس في محله في الوقت الحاضر، فإيجابيات الزيت الصخري على الدول المنتجة للبترول، بما فيها دول الأوبك، والدول العربية، على المدى المتوسط (خمس إلى عشر سنوات)، تفوق سلبياته، وهذه الايجابيات يمكن إيجازها فيما يلي: أولا: إزالة الخوف العالمي، من مستقبل الإمدادات البترولية، وظهور مزيد من الاطمئنان، لاستمرار مصادر الطاقة الأحفورية في إمداد العالم بحاجته من الطاقة، خلال هذا القرن، على الأقل. فإلى وقت قريب، كان هناك اعتقاد بنضوب البترول، خلال الـ 40 أو الـ 50 عاما القادمة، مما يستدعي البحث عن بدائل أخرى، سواء الطاقة الشمسية، أو النووية، أو الوقود الحيوي (الإيثانول) أو غيرها.
وبالرغم من أن هذا البحث، ما زال مستمرا، إلا أن وجود البترول الصخري بكميات كبيرة، وفي مناطق مختلفة من العالم، بما فيها دول مستهلكة رئيسة، مثل الولايات المتحدة، والصين، يعطي العالم، وبالذات الدول المستهلكة الرئيسة، نوعا من الاطمئنان حول مستقبل إمدادات الطاقة. ثانيا: إعطاء السوق البترولية الدولية عمقا أكبر من حيث توافر الإمدادات، ونوعيتها، وأماكن إنتاجها، ومستقبلها، فخلال الـ 40 عاما الماضية، كانت السوق البترولية، تتميز بالتذبذب الحاد في الأسعار، والتخوف الشديد من مستقبل الإمدادات، وبالذات مع نمو الطلب على البترول من الدول ذات الاقتصادات الناشئة، ومن الدول المنتجة للبترول، مع محدودية الطاقة الإنتاجية الفائضة عالميا.
ولا شك أن إنتاج الزيت الصخري، سيعطي السوق عمقا أكبر، مما يعني زيادة درجة الاستقرار، وإيجاد اطمئنان أكبر في السوق، وخفض التذبذب على المديين القصير والطويل، ويقدر البعض أن السوق البترولية الدولية، وسوق الطاقة بشكل عام، ستكون أكثر استقرارا مع بداية عام 2015، نتيجة لزيادة الطاقة الإنتاجية العالمية من عدة مناطق، بما في ذلك الزيت الصخري، مما يساهم في انخفاض التذبذب الحاد في الأسعار. وقد تصبح السوق أقل عرضة للمضاربات، وتأثير التطورات الجيوسياسية، والمعلومات المغلوطة والمتضاربة، والمُبالغ فيها أحيانا، مثل محدودية الطاقة الإنتاجية الفائضة، والاحتياطيات البترولية، ومستقبل الإمدادات، وتنامي الاستهلاك، من الاقتصادات الناشئة والدول المنتجة للبترول. ثالثا: إيجاد حد أدنى، أو أرضية، لسعر البترول، أي البرميل الإضافي المرجعي، الذي يمثل أعلى أنواع البترول من حيث التكلفة، وهناك اختلافات حول تحديد السعر الأدنى للبترول (أي الأعلى تكلفة) من وقت إلى آخر، فخلال السنوات العشر الماضية، كان التركيز على الوقود الحيوي (الإيثانول)، والبترول المستخرج من المياه العميقة جدا، مثل البرازيل وخليج المكسيك، أو الزيت الرملي في كندا، أو الثقيل جدا في فنزويلا.
أما الآن، فإن الحد الأدنى للأسعار، سيكون الزيت الصخري، والزيت الكندي الثقيل، اللذين تصل تكلفة إنتاجهما ما بين 60 و90 دولارا للبرميل. وبمعنى آخر، فإن أسعار البترول لو وصلت إلى 60 دولارا، فإن إنتاج الزيت الصخري، وبعض أنواع الزيت الثقيل، سينخفض، وقد يتوقف الإنتاج من بعض الحقول بشكل مؤثر، وبالذات لو استمر انخفاض الأسعار لأكثر من 12 شهرا، مما يعني في النهاية عودة الأسعار إلى مستواها السابق. ولا شك أن إيجاد أرضية أو حد أدنى للأسعار يساعد الدول المنتجة والدول المستهلكة، وشركات الطاقة والمستثمرين، في التخطيط للمستقبل بشكل أفضل.
ومن الممكن الاستنتاج من خلال العرض السابق، أن السوق البترولية الدولية خلال بقية هذا العقد، ستكون مستقرة نسبيا من حيث توازن العرض والطلب. ومن حيث الأسعار، وظهور الزيت الصخري له من الإيجابيات أكثر من السلبيات.
وطبعا لا بد للمرء أن يكون مستعدا لكافة الاحتمالات، في عالم لا يمكن التنبؤ به، من حيث التطورات الجيوسياسية، والاقتصادية، والتكنولوجية، التي تؤثر في البترول والطاقة، من حيث العرض والطلب والأسعار.
فلو حصلت هزة اقتصادية أو مالية، في الدول المستهلكة الرئيسة، وبالذات الاقتصادات الناشئة في آسيا، التي تعتبر محور زيادة الطلب في الوقت الحاضر والمستقبل القريب، وحصلت في الوقت نفسه زيادة في إنتاج البترول من عدة مصادر، دول، وشركات، قد لا تتعاون مع الأوبك - من منطلقات مختلفة - من أجل استقرار السوق والأسعار، فقد تكون المحصلة النهائية انهيار لمدة قد تصل إلى سنة أو أكثر قليلا، وقد يصعب على عديد من الدول والشركات المنتجة للبترول تحمله.
ولا بد من الإشارة في هذه الناحية، إلى ما حدث في الفترة 1997 - 1998، حيث اجتاحت الدول الآسيوية أزمة مالية، أثرت في نمو استهلاكها من البترول، وفي الوقت نفسه كانت بعض دول الأوبك، وبالذات فنزويلا، تزيد إنتاجها باستمرار، بدون أي اعتبار للطلب العالمي، أو للتنسيق داخل الأوبك، من خلال السقف الرسمي ونظام الحصص، وفي النهاية انهارت أسعار البترول لمدة تزيد على 18 شهرا، وتضرر الجميع، وانهار نظام الحكم في فنزويلا، وانهارت أحلام المسؤولين البتروليين السابقين في فنزويلا بمضاعفة إنتاج البترول.
والظروف الاقتصادية والبترولية الدولية الآن أفضل بكثير من ظروف القرن الماضي، كما أن التجربة السابقة ما زالت راسخة في الأذهان، مما يجعل المرء أكثر تفاؤلا بالنسبة للمستقبل. ومن حيث استقرار السوق البترولية، خلال هذا العقد، مع وجود أرضية، أو حد أدنى للأسعار، في حدود 70 دولارا للبرميل، إلا أننا في الوقت نفسه يجب أن نكون مستعدين لأسوأ الاحتمالات، أو البجعة السوداء - حسب نظرية وسيم طلبة.