مصير المستشفيات بأيدي أطباء الطوارئ (1)

إن طبيب الطوارئ في المستشفى عنصر ارتكاز في قسمه وممارس محوري في المستشفى الذي يضم هذا القسم. هذه العبارات ليست محض صدفة أو تعبيرا مجازيا، بل واقع يعكسه حجم العمل الذي يقوم به والمسؤولية التي يحملها في موقع تتحدد مصائر المرضى على يديه بعد تسلمه للحالة ومتابعة علاجها. هذا الطبيب يباشر الحالة الإسعافية مهما كان وضعها، لأنه يبذل جهده لرفع المعاناة قدر استطاعته. هذا يعني أن بيده قرار بقاء الحالة من عدمه. وهو الذي يحدد ماهية وكيفية علاج الحالة في قسم الطوارئ في المستشفى، وهو الذي يحدد تحويل المريض للتنويم أم للخروج. هذا بالتالي يعني أن الوضع الصحي للمحولين للتنويم والتكاليف التي قدرت للعلاج وإدارة الطاقم الطبي كافة في الطوارئ والأجنحة كل حسب التخصص المحال له المريض، كلها تعتمد على الله ثم طبيب الطوارئ.
البحث الكبير أو الدراسة الأخيرة التي أجريت ومن ثم نشرت خلال هذا العام 2013 في الولايات المتحدة وأجراه معهد الـ Rand Corp. حيث مولته مؤسسة الـ EMAF وجه الأنظار لجانب مهم لطبيب الطوارئ وأهمية دوره في المستشفى. باختصار أكد البحث أن ما كان يدور نظريا في عالمنا الكبير أن هناك نسبة كبيرة من تأثير قرارات أطباء الطوارئ على إدارة المستشفى تنعكس على أوضاع المستشفى الإدارية والمالية. ناهيك عن التأثير الطبي في القرارات التي قد تحتمل أكثر من حل تبعا للمدارس المختلفة في التعليم والخدمات الطبية. إضافة إلى ذلك الإجهاد الذي يتعرض له طبيب الطوارئ من حيث طول ساعات العمل أو صعوبة الحالات نفسها.
لمناقشة موضوع مثل هذا على مستوى قطاع يقوم فيه جهاز ''وزارة الصحة'' بتقديم 60 في المائة من الخدمات الصحية، في حين يقوم القطاع الخاص بتغطية 15 إلى 20 في المائة وتغطي ست جهات أخرى 20 إلى 25 في المائة من الخدمة. فعلينا أن نكون منصفين. فإن موضوع طب الطوارئ بالذات لا بد أن يوجه له اهتمام أكبر لتعدد المرجعيات في تقديم الخدمة وعلاقته بالنواحي المالية والإدارية والطبية في الوقت نفسه وبشكل حساس. نحن في حاجة إلى أن يكون لدينا دراسة محلية توضح حجم هذا التأثير ومدى الاختلاف بين الأجهزة المختلفة ''المدنية والعسكرية'' المقدمة للخدمات الصحية بالمملكة. ليس على مستوى المرافق الصحية بل أيضا على مستوى النقل. فعلى الرغم من ابتعاث طلبة وإلحاق آخرين ببرامج محلية بين دبلومات تأهيلية، إلا أن وضع الطوارئ بات حساسا لدرجة لا يمكن تصورها إذا ما راجعنا آلية تشغيل أقسام الطوارئ بالمرافق الصحية المختلفة ونوعية الطواقم العاملة وكيفية إدارة الحالات قبل وخلال وبعد التعامل معها. كما نحتاج إلى أن نساهم في حل المشكلة من كل جوانبها سواء تشكيل الجمعيات أو فتح برامج زمالات أكثر أو فتح معاهد أو كليات للتدريب المتخصص، أو إصدار مجلات علمية، وغير ذلك من خطوات إيجابية ترفع من مستوى الاهتمام.
إن اقتباس مرئيات الآخرين لمحاولة المقاربة والبدء في وضع أطر لدراسة محلية لا يعيب الجهود الممكن بذلها في مملكتنا الحبيبة للتعرف على مدى تناظر النتائج، من ثم اتخاذ القرار الأصوب للعقود الثلاثة المقبلة. ولكن العيب يكمن في المرور عليها مرور الكرام وتحميل كل جهة مسؤولية نفسها الذي يعني ترسيخ مفهوم التوحد والانفرادية. حاليا لدينا 24 كلية طب بشري، 251 مستشفى تابع لوزارة الصحة مع 2109 مراكز رعاية صحية أولية. كما يوجد 130 مستشفى تابعا للقطاع الخاص. بين هذين الجهازين 349 طبيب طوارئ سعوديا فقط. لو أردنا جمع عدد المستشفيات وعدد أطباء الطوارئ السعوديين لوجدنا أن عدد المستشفيات أكبر من عدد الأطباء في الوقت الذي نكيل للطبيب كل الاتهامات ونخطئه بدون رحمة بل ونجرمه. إن عدم وجود خطط مستقبلية لتغطية العجز أو الأخذ بما تم اقتراحه قبل سنين مضت يعني أن همتنا اليوم يجب أن تكون مضاعفة لتوفير الأعداد المتخصصة في هذا المجال، حتى لا نفجع في عزيز لدينا أو يكون الطبيب مدانا، لأنه عمل ساعات طويلة جدا وأرهق بما لا يتحمله بشر.
قد يسأل سائل: لماذا كل هذا الاهتمام؟ أهو لأن إحصائيات القوى العاملة وضحت ذلك أم إننا يجب أن نساير الركب في كل شيء حتى في توزيع الموارد البشرية وتنفيذ مهامهم؟ في الواقع هناك عدة عوامل تجعلنا نضع جل اهتمامنا لدعم هذا المجال بالذات وأهمها:
1- إن قدرة التأهيل في هذا التخصص أصبحت محدودة على مستوى العالم والفرص المتاحة قليلة قياسا بالطلب الذي أصبحت كل دولة تحاول الوصول فيه لمستوى مقبول وليس حتى للكفاية.هذا يجعل توجه أنظارنا نحو الهيئة السعودية للتخصصات الصحية.
2- التوسع المستمر في المساحة والتجهيزات يعني زيادة تكاليف التشغيل التي وإن كانت لازمة، ولكن مع عدم إعطائها حقها من الاهتمام في التخطي والتدرج في التنفيذ، فإن الكوارث ستكون عند باب المستشفى قبل دخول المريض أو المصاب وتنويمه. وهذا في حد ذاته خلل إداري. وللحديث تتمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي