لماذا تفشل السوق العقارية في السعودية؟

نشرت ''الاقتصادية'' تقريراً بعنوان: ''جميع الحلول الإسكانية عديمة الفائدة ما لم تدعمها وزارة الإسكان''، الذي أكد أن أي حلول مطروحة في السوق العقارية في المملكة لحل مشكلة الإسكان لن يكتب لها النجاح، ما لم تتم مساندة هذه الحلول بإجراءات من الحكومة، وهو ما يعني أن سوق العقار تفشل إذا ما تركت لتعمل بصورة حرة من دون تدخل مباشر من جانب الدولة لضبط إيقاع هذه السوق وتوجيهها بالصورة التي تمكن المواطنين من الحصول على المسكن المناسب بالسعر المناسب وفي التوقيت المناسب، وهذا ما يعرف اقتصادياً بفشل السوق في تحقيق النتائج المتوقعة منها في ظل سيادة ظروف العرض والطلب.
يحدث فشل السوق عندما لا تتم عملية تخصيص الموارد بواسطة السوق على نحو كفء من خلال آليات العرض والطلب، بحيث تؤدي السوق إلى نتائج تخالف التوقعات المنتظرة منها، بصفة خاصة حول الكميات المتوقع أن يتم توفيرها من السلعة أو الخدمة أو الأسعار المنتظر أن تقدم بها السلعة أو الخدمة، أو أن يترتب على عملية إنتاج السلعة أو الخدمة أضرار مجتمعية، مثل استنزاف الموارد أو الإضرار بالبيئة أو غير ذلك من الآثار، ولا شك أن مثل هذه النتائج لا يمكن النظر إليها على أنها نتائج سوق تتسم بالكفاءة، كما هو مفترض في السوق الحرة.
يترتب على فشل السوق انخفاض في مستويات الرفاهية الاجتماعية للسكان، وذلك بسبب التباعد بين المنافع التي تضفيها السوق الحرة على الأفراد أو مجموعات الأعمال التي تعمل فيها، التي بدورها تؤدي أشكالاً محددة من النشاط الاقتصادي تختلف في نتائجها بصورة واضحة عن المنافع المنتظرة للمجتمع ككل.
تتطلب مواجهة فشل السوق بالطبع التدخل من جهة مؤثرة فيها، وهذه الجهة دائماً ما تكون الحكومة، ويأخذ التدخل الحكومي غالباً شكلين: الأول وهو تطبيق آليات للتحكم في السعر أو التكلفة، إما بخفض السعر أو برفعه، أو بالتدخل من خلال فرض ضريبة، أو تقديم دعم أو منح قروض أو تخفيض تكلفة الاقتراض، وهي أشكال للتدخل التي تهدف إلى التأثير في السوق من خلال الحوافز المالية، والآخر وهو اللجوء إلى القوانين أو القوة الجبرية، مثل اشتراط ممارسة النشاط من خلال التراخيص أو فرض غرامات على السلوك المضر بالمجتمع أو غير ذلك، ودائماً ما تلجأ الدول إلى استخدام مزيج من هذه الوسائل.
عندما يحدث التدخل الحكومي تنشأ مشكلة المزيج الأفضل من السياسات المناسبة للتدخل لتحسين أوضاع السوق أو لتقليل الآثار السلبية على المجتمع، وهنا لا بد من عملية تقييم فاعل لكل السياسات الممكن استخدامها في التدخل والمقارنة بين تكاليف وأعباء كل سياسة والعوائد المتوقع تحقيقها من ورائها، واختيار مجموعة السياسات التي تعظم المنافع الناشئة عن التدخل وتخفض التكاليف أو الأعباء على المجتمع والسوق والمستهلك.
غير أن هناك اتفاقاً بين الاقتصاديين على أن فشل السوق ينتج بسبب احتكار السوق، أو بسبب وجود مجموعات من الأعمال في السوق تمتلك قوة سوقية مؤثرة فيها تعطل عمل السوق على النحو المفترض، أو أن يترتب على السوق آثار خارجية سالبة مثل التلوث، ومن متابعة السوق العقارية في السعودية يمكن تلخيص أهم العوامل المسؤولة عن فشل السوق في:
- اتساع درجة تركز ملكية الأرض باحتكار مساحات كبيرة منها ومنعها عن التداول في السوق لفترات طويلة حتى لا تميل الأسعار نحو التراجع بفعل الإفراط في العرض، ومثل هذه المراكز الاحتكارية تكون دائماً قادرة على الانتظار حتى تحين الظروف المناسبة للبيع، بحيث يتم تحقيق أقصى ربح من احتكار ملكية الأرض، وبالطبع الذي يدفع ثمن ذلك هو المستهلك النهائي.
- غياب نظام فاعل للرهن العقاري يكفل للمقترضين للأغراض العقارية المختلفة سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات مختلفة الحصول على التمويل المناسب، بما يساعد على دعم بيئة الاستثمار في هذا المجال، وتوفير الحلول العقارية المناسبة لمختلف شرائح المستهلكين في السوق على اختلاف أذواقهم ودخولهم، بصفة خاصة ذوي الدخول المتوسطة والمحدودة.
- ضعف جهود فك احتكار الأراضي، من خلال طرح مساحات كافية منها في الأماكن المختلفة من المملكة ومدها بالخدمات الأساسية والبنى التحتية المناسبة في التوقيت المناسب، وذلك كي تكون جاهزة للبناء على النحو الذي يخفف من الضغوط على الأسعار نحو الارتفاع.
- عدم وجود قانون فاعل لمحاربة احتكار الأراضي واستغلالها على النحو الذي يسمح برفع أسعار السوق إلى مستويات لا تتناسب مطلقا مع الإمكانية الدخلية للأغلبية العظمى من المستهلكين.
بالطبع هناك عوامل أخرى، غير أنه وبالتدقيق في طبيعة هذه العوامل نجد أن العاملين الأول والثاني من المسببات الأساسية لفشل السوق، بينما يمثل العاملان الثالث والرابع أحد أشكال فشل الحكومة، والتي من المفترض أن تتدخل لمواجهة نتائج فشل السوق والتخفيف من الآثار السلبية له على المجتمع، حيث يطلق على عدم قدرة الحكومة على التعامل مع النتائج غير المتوقعة للسوق ''فشل الحكومة''، إذ من المفترض أن فشل السوق يقتضي ضرورة تدخل الحكومة من خلال إعادة رسم السياسة العامة حول القرارات التي يجب أن تتخذها الدولة حيال السوق وطريقة عمله للحد من الآثار المجتمعية المترتبة على فشل السوق.
ما يعقد من المشكلة في المملكة هي أن تطلعات المستهلكين حول طبيعة السكن المناسب لهم مرتفعة للغاية، كما أن توقعاتهم من الحكومة أيضاً مرتفعة، وهو ما يجعل تكلفة التدخل من جانب الحكومة لمواجهة آثار فشل السوق مرتفعة جداً. وبمعنى آخر، فإن المستهلك يتوقع نتائج غير منطقية من هذه السوق، فلا توجد سوق عقارية في العالم توفر حلولاً إسكانية لجميع المستهلكين وبالمواصفات التي يطلبونها وبأسعار في متناول الجميع، ولذلك من الطبيعي أنه كي تعمل سوق العقار في المملكة على تحقيق هذه الأهداف في الوقت ذاته لا بد من وجود طرف يتحمل الفرق بين تكلفة تدبير الخدمة والسعر المتوسط الذي يمكن أن يدفعه عموم السكان لهذه الخدمة، وبما أن هذه الفروق في حالة العقار تعتبر مرتفعة جداً، لذلك سيظل استمرار نجاح السوق العقارية في المملكة في تدبير خدمة الرعاية السكنية لجميع السكان معتمداً أساساً على ما تقدمه الحكومة من مساندة في هذا المجال، ولذلك لا يتوقع بالفعل، كما أشارت ''الاقتصادية''، أن يتم تنفيذ أي حلول تتناول مشكلة العقار في المملكة من دون التدخل الحكومي المساند لضمان عمل السوق على النحو المتوقع منها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي