نهاية الوفرة في الصين
منذ عام 2010، تباطأ نمو الصين إلى حد كبير، وقد يستمر التباطؤ ــــ وهو الاحتمال الذي يقض مضاجع المستثمرين والأسواق حتى إلى ما وراء حدود الصين. فبعد أن أصبحت العديد من محركات النمو التقليدية في الاقتصاد العالمي ـــــ مثل الولايات المتحدة ــــ عالقة عند سرعة متدنية، أصبح أداء الصين متزايد الأهمية.
ولكن الآن انخفضت معدلات نمو الصادرات الصينية والمؤشرات المرتبطة بها في التصنيع، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى ضعف الطلب الخارجي، وبخاصة في أوروبا. والآن تعمل السلطات الصينية على خفض اعتمادها تدريجياً على محرك النمو الحالي في البلاد، أو الاستثمار في القطاع العام، لأن المشاريع ذات العائد المنخفض تعمل على توليد الطلب الكلي كما يبدو، ولكنها سرعان ما تثبت أنها غير قابلة للاستمرار.
وتستخدم الحكومة مجموعة متنوعة من الأدوات، بما في ذلك الانضباط الائتماني في القطاع المالي، بهدف كبح جماح الطلب على الاستثمار. وفي الأساس، يتم سحب الضمانات الحكومية المرتبطة بتمويل استثمارات القطاع العام ـــــ كما ينبغي لها أن تفعل.
ولكن للتحايل على القيود في النظام المالي الذي تهيمن عليه الدولة، فقد نشأ نظام الظل المصرفي، الذي يثير مخاطر جديدة : التشوهات الاقتصادية؛ والاعتماد على الروافع المالية (الاستدانة) المفرطة لدفع عجلة النمو في قطاعات المستهلك والعقارات والشركات وكذلك القطاعات الحكومية؛ والمخاطر المرتبطة بعدم كفاية التنظيمات. ونتيجة لهذا، يشعر المستثمرون بالقلق إزاء احتمال انزلاق الصين إلى نموذج النمو القائم على الاستدانة المفرطة، الذي ألحق الضرر بالعديد من الاقتصادات المتقدمة.
لقد قيل الكثير عن الاستهلاك المحلي بوصفه محركاً للنمو الصيني في المستقبل. ولكن جوستين لين، كبير خبراء البنك الدولي سابقا، زعم بقوة أن الاستثمار سوف يظل، ولابد أن يظل، محركاً أساسياً للنمو، وأن الاستهلاك المحلي في نمط النمو الصيني لا ينبغي له أن يُدفَع إلى ما يتجاوز حدوده الطبيعية فيتحول إلى نموذج من نماذج الإفراط في الاستدانة يقوم على ارتفاع الديون الاستهلاكية.
الواقع أن هذه الحجة تبدو سليمة. ومكمن الخطر هنا هو أن يتم تفسير تحذير لين باعتباره حجة للتمسك بنموذج قائم على الاستثمار، وهو ما من شأنه أن يعني ضمناً المزيد من انخفاض عائدات مشاريع القطاع العام والقدرة الفائضة في صناعات منتقاة. إن الهدف الصحيح لتوليد النمو يتلخص في زيادة الطلب الكلي الداخلي استناداً إلى إيجاد المزيج الصحيح بين الاستهلاك والاستثمار ذي العوائد المرتفعة.
وهناك على الأقل تخوفان مترابطان يثيران قلق المحللين والمستثمرين. الأول يتلخص في احتمال لجوء صناع السياسات في مواجهة انحدار النمو إلى الإفراط في الاستثمار أو الاستعانة بالروافع المالية ''أو كلا الأمرين''، وهو ما من شأنه أن يخلق حالة من عدم الاستقرار. والثاني هو أنهم قد يمتنعون عن اللجوء إلى أي من الأمرين، وأنه لن تكون هناك محركات نمو بديلة قد بدأت العمل، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تباطؤ موسع وعواقب سياسية لا يمكن التنبؤ بها في الداخل وعواقب اقتصادية خطيرة في الخارج.
وفي الوقت نفسه، لابد أن ينمو القطاع غير القابل للتداول. فمع اكتساب الصين المزيد من الثراء، فإن المواطنين المنتمين إلى الطبقة المتوسطة لن يكتفوا بشراء المزيد من السلع القابلة للتداول مثل السيارات والأجهزة الإلكترونية والمنزلية فحسب؛ بل إنهم سيشترون أيضاً المساكن ومجموعة من الخدمات غير القابلة للتداول. وتستلزم الاستجابة الفعّالة من جانب العرض لهذا المصدر الضخم والمتنامي للطلب الإصلاح التنظيمي للعديد من الخدمات، بما في ذلك التمويل، وسلامة المنتجات، والنقل، والخدمات اللوجستية.
ولكن الأسر لا تزال تسيطر على حصة ضئيلة للغاية من الدخل وتدخر بمعدلات مرتفعة للغاية. والواقع أن السيطرة على الدخل من خلال القطاعات الشركاتية والعامة المتداخلة تيسر من محاولات دفع نموذج النمو القائم على الاستثمار إلى نقطة العائدات المنخفضة ''أو حتى السلبية''. لذا فإن النظام المالي بأكمله يشكل بنداً حاسماً على أجندة الإصلاح في الصين، وخاصة إدارة رأس المال العام.
ومع مواجهة العناصر المهمة في الاقتصاد العالمي والطلب الخارجي لرياح معاكسة قوية، فإن قبول الصين ''حتى الآن'' لتباطؤ النمو، في حين تبدأ محركات النمو الجديدة في العمل، يشكل علامة طيبة في اعتقادي. فهو يشير إلى أن صناع السياسات يسعون إلى تحقيق النمو المستدام الأطول أجلاً وأنهم أصبحوا أكثر حذراً في التعامل مع السياسات التي إذا ما استخدمت بشكل مستمر فإنها ترقى إلى نموذج مختل وغير قابل للاستمرار من نماذج النمو.
إن ترقب إحراز التقدم فيما يتصل بهذه العناصر الرئيسة للتغير البنيوي والإصلاح يبدو الموقف الصحيح. وإذا كانت الأسواق متحيرة أو متشائمة بشأن الأجندة الصينية الأبعد أمدا، ولكن إذا كان اتجاه التغير البنيوي والإصلاح إيجابياً في الوقت نفسه، فقد تنشأ فرص استثمارية جديدة كانت غائبة في الماضي القريب الأكثر وفرة.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.