أين دليل التعامل مع الحالات الإسعافية في التجمعات النسائية؟
منذ أن عقد المؤتمر الدولي الأول عن أثر التجمعات البشرية في الصحة العامة في عام 2010، وصدرت عنه عدة توصيات أهمها إنشاء جهة مرجعية دولية مختصة بصحة الحشود والتجمعات البشرية مقرها السعودية، وتكون بذلك مسؤولة عن مهام وأنشطة الجهات ذات العلاقة وتصنيف المصطلحات ونشر ثقافة وبرامج وأنظمة صحة الحشود المبنية على نتائج الدراسات والبحوث، منذ ذلك الوقت والموضوع في حراك لكنه محدود. في جدة هذا العام "1434هـ/2013" وخلال فترة إجازة عيد الفطر اكتظت الأسواق المفتوحة والمغلقة بالمتسوقين والزوار والأهالي من كل مكان. وفي العيد تصبح المراكز الاجتماعية ومرافق العروض الموسمية إضافة إلى الأسواق مكتظة بالزوار للتسلية والاحتفال بالعيد على مدار الساعة طيلة خمسة ـــ ستة أيام. وبعيدا عن الحرمين ـــ أعزهما الله وحماهما ـــ من كل سوء، وعن منطقة المشاعر المقدسة نجد أن الحشود تحتاج إلى دراسات متتالية لجعلها مواقع تتحقق فيها السلامة والصحة وإمكانية استمتاع الزوار بأوقاتهم من دون أي منغصات. كل هذا لأن الأجناس والجنسيات المجتمعة من جميع الفئات العمرية أظهرت في مواقف وظروف معينة أنها تحتاج لبرامج تثقيفية وتوعوية صحية بشكل مكثف.
لقد شد اهتمامي في هذه التجمعات موضوع الإسعافات الأولية وبالذات للنساء مع أن ما حدث كان حالات طفيفة مثل الإعياء والرعاف والاختناقات الجزئية أو الخفيفة والجفاف لبعض الحوامل. لم يكن ذلك جراء تزاحم، ولكن لأن هذه الأيام أيام تبضع وتنقل لا يتكرر خلال العام وبالصفة ذاتها. لقد تساءلت عما إذا كان لمثل هذه الجهود التي بذلت وتبذل كل عام من قبل الجهات المقدمة للخدمات الصحية أو الأمانات تأثير في تطوير وضع الأسواق والأماكن المزدحمة. لأن توافر خطط تنفيذية وخطط بديلة لتطبيق إجراءات السلامة بكل حرفية ومهنية يعني ارتفاع مستوى الثقافة الصحية بين أفراد المجتمع.
في العام ذاته الذي عقد فيه المؤتمر الأول لطب الحشود (2010) كانت هناك مطالب لتحسين وضع التعامل مع الحالات الإسعافية في التجمعات النسائية وقد تحركت عدة جهات لإتمام ذلك بالطريقة المنهجية المتعارف عليها علميا ودوليا بأن تكون هناك آلية مكتوبة تحدد الآليات والمرجعية في تطبيق النظام. لا شك أن تعريف التجمعات النسائية لا تعني فقط الأسواق أو مواقع العروض، بل هي أيضا المدارس والجامعات والمصانع وكل موقع يمكن أن تجتمع فيه النساء ويتحركن لبلوغ هدف معين. ولكن إيجاد وثيقة أو نظام سيوجه بالطبع عمليات الإنقاذ ويمنع الاجتهاد والتسبب فيما لا تحمد عقباه.
منذ أن طالب مجلس الخدمات الصحية الأجهزة الحكومية بذلك وجهت وزارات التعليم العام والعالي المدارس والجامعات لتقوم بدورها بكفاءة عالية. كما أن باقي الجهات المقدمة للخدمات الصحية والإسعافية والإنقاذ اهتمت بهذا الموضوع ولكن حتى الآن لم يعلن أو ينشر خبر عن صدور دليل كامل لإجراءات التعامل مع الحالات الإسعافية في التجمعات النسائية. فمع وجود أخبار إلا أن الكثيرين يبحثون عن الدليل. هذا الدليل يتوقع أن يغطي المهام والمسؤوليات والآلية التي تتم بها عملية الإسعاف ولأي الحالات وفي أي موقع. بالطبع سيكون فيه تعريف لجميع المصطلحات وحدود جميع الجهات ومسؤولية الناقل إن تطلب الأمر ذلك وما إلى ذلك من معلومات موثقة ومرجعية.
إن المسألة هنا ليست في السماح أو المنع فقط بل في إنقاذ المصابة أو المريضة أيا كانت حالتها في التجمعات النسائية. فهذا التقنين لن يكون اكتشافا أو اختراعا أو طريقة لم تمارس ولا يوجد مثيل لها في العالم، بل سيكون عبارة عن دراية واحتراف وزراعة ثقافة مع مرور الوقت لحصادها وعيًا صحيًا شاملاً يكفل للمرأة في هذه الأوقات ما يحفظ سلامتها وسلامة أطفالها إن كانوا معها. فطبيعة الأعمال الإنسانية الصحية لا تحتمل انتظار صدور الإجراءات الروتينية النظامية، حيث إن الوقت هو أهم عامل في هذا الموقف أو الظرف ولا بد من التصرف بسرعة وبمهنية عالية.
إما إذا ناقشنا الموضوع من زاوية أخرى فإن قرار مجلس الوزراء رقم 120 الصادر في عام 1425هـ الذي نص على عدة إجراءات بشأن زيادة فرص ومجالات عمل المرأة في المملكة، فإن من المتوقع أن ينسحب التدريب على القيام بالإسعافات الأولية خصوصا في تجمعات النساء وفي فترات اكتظاظهن خلال العام. فالعاملة في المحل أو المشرفة على تنظيمهن أو المراقبة لحركتهن هي الأقرب لبنات جنسها للتعامل مع الحالات الإسعافية حال حدوثها. نعلم أن هناك دفعات من النساء تخرجن في برامج الدفاع المدني والهلال الأحمر ولكن نحن ننتظر تكثيف هذه البرامج لتعم فائدتها جميع المواقع التي تجتمع فيها النساء بكثافة وبالذات خلال فترات الحج والأعياد.
المتوقع الآن أن يتطور التدريب على جميع أنواع الإسعافات الأولية إلى ربط الترخيص ببدء النشاط التجاري بإجادة تقديم الإسعافات الأولية من قبل العاملات في المحل أو الموقع. هذا طبعا سيجعل العدد أو النسبة المستهدفة في الاستراتيجية الموضوعة لتدريب السكان جميعا على الإسعافات الأولية تصل بين 4 إلى 5 في المائة سنويا، لترتفع نسب الإنقاذ قبل النقل الإسعافي إلى ما فوق 93 في المائة وذلك حسب بعض الدراسات في هذا المجال. والله ولي التوفيق.