ليعمل لك لا لتعمل له
الحديث عن الراتب يعني الحديث عن المعيشة، والحديث عن هذه الأخيرة يدخلنا لا بد من باب ''ارتفاع تكلفة المعيشة''، وهو ليس حدثاً مختصاً بالشأن المحلي فقط، إنما هو حدث ذو إطار عالمي لا تخلو منه حتى الدول المتقدمة اقتصادياً، أو الدول التي تتميز بارتفاع مداخيل الفرد فيها.
وهذا أمر طبيعي، فتكلفة المعيشة ترتفع لأسباب عدة بينها: ارتفاع التضخم الداخلي والمستورد، والتغييرات المتسارعة في إيقاع الحياة وطبيعة مستوى المعيشة عند الدول النامية، وهو ما يقود نحو ارتفاع الطلب على السلع ثم ارتفاع سعر السلع، ثم ارتفاعات أخرى ملحقة لها بداية ولا يبدو أن لها نهاية!
ومن خلال هذه المقدمة، لا أقصد إرباك القارئ ولا إحباطه، أو إدخاله في نفق العيش الضيق، أو تحت هذا الضغط المالي والنفسي، إنما أرغب في إيصاله إلى سؤال ربما يبدو مغرياً وعجيباً في الوقت ذاته، يقول السؤال: هل يمكن تحقيق ثروة من خلال الراتب أو مصدر الدخل الثابت مع هذا الظرف؟
من الناحية الشخصية، قمت بعمل استبانة حول الموضوع خلال الشهر الماضي، أستطيع أن أعدها مؤشراً وبذرة يمكن الاستفادة منها من قبل جهات بحثية متخصصة، حيث كان هدف هذه الاستبانة قياس مستوى الثقافة المالية في المجتمع السعودي بشكل عام كمؤشر وليس إحصاءً، وحصلت على النتائج الآتية:
أن 63 في المائة من المشاركين ليست لديهم أهداف مالية واضحة سنوياً، حيث تبين أن 54 في المائة لا يدخرون من دخلهم الشهري، و55 في المائة ليس لديهم ميزانية للمصروفات الشهرية، 55 في المائة يصرفون أكثر من دخولهم، وكانت نسبة أعمار الشريحة المشاركة من عمر 25 إلى 30 سنة نحو 42 في المائة، ونحو 37 في المائة للفئة العمرية بين 31 إلى 45 سنة تقريباً.
وهذا ملخص بسيط عن الاستبانة يعطينا موشرات خطيرة أن أكثر من 50 في المائة ليست لديهم أي خطط مالية، بمعنى آخر أن أكثر من 50 في المائة ليست لديهم بوصلة ترشدهم إلى طريق الاستقرار المالي، وهذا مؤشر خطير جداً.
ومن خلال استبانة سابقة اكتشفنا أن دخل 30 في المائة تقريباً من المشاركين بين خمسة آلاف وعشرة آلاف، وبسؤال بسيط: هل نعد من يكون دخله أقل من سبعة آلاف ريال شهرياً أنه يعيش في مستوى أقل من المتوسط؟
هناك أمر مهم آخر، أن الذي يحدد الدخل الإنسان نفسه من خلال قرارات يمكن أن يتخدها في المرحلة الثانوية، فعندما يختار التخصص الأدبي يعلم أن فرصه الوظيفية أقل، والجامعات التي ستقبله لن تؤهله للوظائف ذات الرواتب العالية.
إذن، كيف يكون راتبي مصدر ثروتي؟ غالباً كل من يتخرج في الجامعة ينطلق إلى البنك للحصول على قرض أو إيجار منتهٍ بالتمليك لسيارة، وهذا أكبر خطأ يقع فيه في بداية حياته المالية، حيث إنه يقترض مبلغاً لينفقه على أمور استهلاكية وليست أصولاً مدرة للدخل.
وقد اختلف مع المحاسبين في أن السيارة - على سبيل المثال- تعتبر أصلاً، نعم هي أصل في مصالح المحاسبة البحتة، لكن كما يعرف الكثيرون أن هذا الأصل له قيمة إهلاك سنوية، أي أن السيارة التي تشتريها اليوم على سبيل المثال بقيمة 100 ألف ريال، ستفقد في السنة القادمة 10 في المائة من قيمتها على أقل تقدير، فكيف يكون هذا أصلا وهو يفقد قيمته؟، بينما لو اشتريت بالقيمة نفسها قطعة أرض وقررت أن تبيعها السنة القادمة على أقل تقدير ستحافظ على قيمتها، إذن هناك قاعدة عامة في أن الأصل هو ما يحافظ على قيمته أو ترتفع قيمته أو يحقق لي عائداً أعلى من قيمة الاستثمار خلال مدة استثماري له.
وهناك مبدأ شائع يقول: لا تقترض وادخر، وهو خطأ، إذ لن تقودك للثراء والاستقرار المالي، ولو افترضنا أنك تدخر نصف راتبك، وأن راتبك عشرة آلاف ريال، فإلى كم سنة تحتاج حتى تستطيع شراء أرض قيمتها 200 ألف ريال؟ أكيد ستحتاج إلى نحو ثلاث سنوات ونصف تقريباً، وعلى معدل أسعار العقار لدينا فإنه يرتفع بمعدل 7 في المائة، أي أن قيمة الأرض ستكون بعد ثلاث سنوات ما يقارب 240 ألف ريال إذا لم تكن أكثر، لكن لو اقترضت المبلغ على ثلاث سنوات - على سبيل المثال - وكانت نسبة الإقراض 4 في المائة للسنة أي 12 في المائة على ثلاث سنوات، ستكون أفضل من التأخر في قرار الشراء، حيث تشتري عن طريق الادخار لتكون تكلفة الأرض قد ارتفعت عليك 21 في المائة بعد ثلاث سنوات.
إذن، استغل راتبك في أول عشر سنوات وظيفية على أن تستقطع 30 إلى 40 في المائة على القروض لشراء أصول وليس أموراً استهلاكية أبداً، وبعد عشر سنوات ستقوم هذه الأصول بشراء أصول اخرى لك، وهذا الهدف المالي الذي يجب أن تسعى إليه وهو الوصول إلى حرية مالية، بحيث إن أصولك تعمل لك، وليس أن تعمل أنت لها، بمعنى آخر، اجعل مالك يعمل لك لا أن تعمل أنت له، والمال مالك، والخيار في يدك حتى حين.