لماذا تتوقف الاقتصادات عن النمو؟
على مر السنين، جربت الدول المتقدمة والنامية، عن عمد في بعض الأحيان ومن دون قصد في كثير من الأحيان، مع مجموعة متنوعة من استراتيجيات النمو. ولكن من المؤسف أن العديد من هذه الاستراتيجيات تبين أنها تنطوي على قيود أو مكابح ـ أو ما يمكننا أن نطلق عليه عناصر عدم الاستدامة. ومن الأهمية بمكان حتى يتسنى لنا أن نتجنب الأضرار الجسيمة وفترات التعافي العصيبة أن نحسن من أدائنا كثيراً فيما يتصل بالتعرف على أنماط النمو المقيدة ذاتياً في وقت مبكر.
وإليكم بعض البنود في مكتبة متزايدة الحجم من نماذج إبطاء أو كبح النمو.
في الدول النامية، من الممكن أن يفلح إحلال الواردات كوسيلة لإطلاق التنوع الاقتصادي لبعض الوقت، ولكن بمرور الوقت، ومع تراجع نمو الإنتاجية وتجاهل الميزة النسبية، يتوقف النمو.
إن الاقتصادات الصغيرة المفتوحة متخصصة بعض الشيء بطبيعتها، وهو ما يجعلها عُرضة للصدمات والتقلبات. لكن من حيث النمو ومستويات المعيشة، فإن تكاليف عملية تنويع الاقتصاد، عندما تنفذ من خلال حماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبية، تفوق الفوائد في نهاية المطاف. ومن الأفضل أن نسمح بالتخصص، وأن نبني شبكات أمان اجتماعية فعّالة وأنظمة دعم لحماية الناس والأسر أثناء التحولات الاقتصادية. ومن الأفضل أن يتم تكييف مثل هذه ''المرونة البنيوية'' لتمكين التغيرات الواسعة النطاق التي تحتاج إليها القوى الاقتصادية التكنولوجية والعالمية السريعة التطور.
إن سوء إدارة الثروات من الموارد الطبيعية يشكل جزءاً من الأساس الذي يقوم عليه نمط قوي ذاتي التقييد من النمو والتنمية. وإذا استثمرت الموارد الطبيعية في البنية الأساسية والتعليم والأصول المالية الخارجية، فإن عائداتها قادرة على التعجيل بالنمو. لكن في كثير من الأحيان تعمل هذه العائدات على تشويه الحوافز الاقتصادية، وهو ما يأتي لمصلحة السعي إلى تحقيق مكاسب ريعية ويتداخل مع التنويع الذي يشكل عنصراً لا غنى عنه لتحقيق النمو.
في وقت أقرب إلى عهدنا هذا، اكتشفت العديد من الدول المتقدمة مجموعة ''جديدة'' من نماذج النمو التي تتسم بقيود بنيوية مدمجة: إن الإفراط في الاستهلاك العام أو الخاص، أو الاثنين معاً، يأتي مصحوباً عادة بارتفاع مستويات الدين وأسعار الأصول، فضلاً عن انحدار مستويات الاستثمار. ويبدو هذا النهج ناجحاً إلى أن يفقد الطلب الكلي المحلي القدرة على دعم النمو وتشغيل العمالة، وعند هذه النقطة ينتهي الأمر إما إلى الركود التدريجي أو إلى أزمة مالية واقتصادية عنيفة. (الواقع أن العديد من الدول النامية أدركت هذا بالطريق الصعب، ولكن يبدو أن هذه الدروس لم تصل إلى الدول المتقدمة).
لكن النموذج المقابل لنموذج الاستهلاك المفرط ـ الإفراط في الاعتماد على الاستثمار لتوليد الطلب الكلي ـ يُعَد أيضاً نمطاً مقيداً من أنماط النمو. وعندما تتضاءل العائدات الخاصة والاجتماعية بشكل كبير، فإن دعم النمو إلى أجل غير مسمى يصبح أمراً متعذراً، رغم أن ارتفاع معدلات الاستثمار من الممكن أن يدعم الطلب الكلي لبعض الوقت. والواقع أن تغيير نمط النمو هذا يشكل جزءاً كبيراً من التحدي الذي تواجهه الصين الآن.
كما يفرض تزايد حدة التفاوت في الفرص أو في النتائج (وغالباً في الفرص والنتائج معاً) تهديداً لاستدامة أنماط النمو. ورغم أن الناس في مجموعة واسعة من الدول يتقبلون درجة ما من الفوارق التي تحددها الأسواق في الدخول، استناداً إلى الفوارق في المواهب والتفضيلات الشخصية، فإن الحدود تظل قائمة. وعندما تخترق فإن النتيجة النموذجية تتلخص في الشعور بالظلم، ثم الرغبة في المقاومة، وفي نهاية المطاف الخيارات السياسية التي تتصدى لعدم المساواة والتفاوت بين الناس، ولو أن هذا يتم في بعض الأحيان بطرق هدّامة معرقلة للنمو.
ولعل أضخم قضايا الاستدامة في الأمد البعيد تتعلق بكفاية قاعدة الموارد الطبيعية في الاقتصاد العالمي: سوف يتضاعف الناتج إلى ثلاثة أمثاله أو أكثر على مدى العقدين إلى العقود الثلاثة المقبلة، مع اقتراب أربعة ملايين شخص في الاقتصادات النامية ذات النمو المرتفع من مستويات الدخل وأنماط الاستهلاك في الدول المتقدمة. وستتطلب استراتيجيات التنمية الاقتصادية القائمة قدراً كبيراً من التكيف من أجل استيعاب هذا النوع من النمو.
وأخيراً، يشتمل العديد من أنماط النمو المعيبة هذه على ضائقة مالية. وخلافاً للحكمة السائدة في أيامنا هذه، فإن الاستعانة بدرجة ما من إدارة الطلب بطريقة جون ماينارد كينز في الانتقال إلى نمط نمو أكثر استدامة لا تتعارض مع استعادة التوازن المالي في غضون فترة زمنية معقولة. بل إن الأمر على العكس من ذلك تماماً، ذلك أن الحوافز المالية وتدابير ضبط الأوضاع المالية، المطبقة على المستويين الفردي والجماعي، تشكل جزءاً ضرورياً من عملية التكيف.
ولكنها ليست كافية. إن القطع المفقودة الحاسمة تشكل تحولاً في بنية الطلب الكلي الذي يمكن الوصول إليه وتجديد تلك الأجزاء التي أنهكت من قاعدة أصول الاقتصاد، الأمر الذي يشير ضمناً إلى الحاجة إلى التغير البنيوي والاستثماري.