مستقبل الطيران في بلادنا
تعرضت صناعة النقل الجوي في بلدنا بشقيها: النقل الجوي وخدمات المطارات خلال العقدين الأخيرين إلى تراجع ظاهر وتدهور صارخ واختناقات حرجة. إلا أن جهودا حثيثة جرت في السنوات الأخيرة لتضييق الفجوة بين الطلب على خدمات النقل الجوي والعرض المحدود منها. كان واضحا منذ أواخر الثمانينيات أن الطلب على خدمات النقل الجوي أخذ ينمو بشكل متسارع يفوق إمكانات العرض المتاحة. صناعة الطيران بشقيها النقل الجوي والمطارات أصبحت صناعة ذات قواعد وأساليب فنية مرعية يكمل بعضها بعضا، وعلى الرغم مما تشير إليه تقارير الاتحاد الدولي للنقل الجوي من تربع منطقة الشرق الأوسط المرتبة الأولى عالميا في نسبة نمو حجم الحركة الجوية، حيث سجلت زيادة بنسبة 18 في المائة، فأصبح لقطاع الطيران دور حاسم في منظومة النقل في الحياة المعاصرة، ومع منتصف القرن العشرين بدا أن الطيران سيصبح إحدى أهم وسائل النقل بين القارات والبلدان، حتى بين المدن في البلد الواحد. لكن العقود الثلاثة الماضية شهدت تغيرات كبيرة في المفاهيم والنظم الاقتصادية والإدارية والسياسية المتعلقة بصناعة الطيران لتواكب تطور ونمو حركة النقل الجوي في جميع أنحاء العالم، ما دفع الشركات الصانعة للطائرات لإنتاج الطائرات العريضة والكبيرة وتطوير محركات تقتصد أكثر في استخدام الوقود. ومن ثم أصبح قطاع الطيران من أهم القطاعات التي تسهم في نمو الدخل القومي وتوليد فرص عمل، عن طريق توسيع الأسواق واستغلال الموارد البشرية والمادية وزيادة إنتاجيتها وتحسين نوعيتها من خلال تسهيل انتقال البضائع والعمالة إلى الأماكن التي تكون فيها أكثر نفعاً وتأثيراً في العملية الإنتاجية. وفي عصرنا تزايد ترابط الأنشطة الاقتصادية بعضها ببعض، فغدا تعطيل حركة النقل وعدم توافر وسائل نقل فاعلة وكافية معطلا لعجلة الاقتصاد ومثبطا لقيام المشاريع وتنفيذ الاستثمارات المختلفة، ما يعني هدرا لجزء من ناتجنا الوطني. تقدر دراسات صادرة عن الاتحاد الدولي للنقل الجوي (الإياتا) IATA أن كل مليون راكب (مسافر) يوفر أربعة آلاف وظيفة! وإذا كانت الإحصاءات قد أظهرت أن بعض الشركات المحلية نقلت نحو 1.2 مليون راكب في عام 2007، ونحو 1.3 مليون راكب في عام 2008، فهذا يعني إمكانية توفير 4800 وظيفة بشكل مباشر أو غير مباشر.
كما تشير التقارير الدولية إلى أن إجمالي الوظائف المباشرة وغير المباشرة التي نجح قطاع الطيران في دبي في توفيرها بلغ نحو 250 ألف وظيفة، حققت نحو 80 مليار درهم، وأسهمت بنحو 28 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لدبي! لا شك أن هذا النجاح العالمي لهذه الإمارة في مجال الطيران هو وليد رؤى نافذة وعزائم ماضية وهمم عالية ونيات صادقة وسياسات صائبة، أساسها الشفافية والمنافسة العادلة.
يذكر تقرير أصدره المجلس العالمي للمطارات أن أنشطة المطارات الأمريكية تولد نحو عشرة ملايين ونصف مليون وظيفة تشكل نسبة 7 في المائة من إجمالي الوظائف في الاقتصاد الأمريكي، كما أنها تسهم في الناتج الوطني بنحو 1.2 تريليون دولار (نحو 8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي) وهي قيمة ضخمة جدا لأن الناتج الأمريكي يربو على 14 تريليون دولار! وهذه القيمة التي يسهم فيها قطاع الطيران في الناتج الأمريكي تعادل قيمة كل الناتج القومي لدول مثل: المكسيك أو سويسرا أو حتى كوريا الجنوبية!
وكل المؤشرات تدل على أن قطاع الطيران بشقيه (المطارات وشركات الطيران) سيستمر في النمو حتى بالنسبة للوظائف التي يولدها، إذ يتوقع أن تزيد في بعض الدول بأكثر من 55 في المائة نظرا لزيادة أعداد المسافرين بمعدلات عالية في السنوات القادمة.
ولقد كان للقرارات والتوجيهات الملكية التي تبناها خادم الحرمين الشريفين منذ اعتلى - رعاه الله - عرش البلاد دورا مهما للقضاء علي الاختناقات في مختلف قطاعات الاقتصاد ومنها قطاع الطيران. ففي مجال النقل الجوي كان لتزويد «الخطوط السعودية» بأسطول من الطائرات الحديثة دور في تحسين خدمة النقل الداخلي والخارجي وسيكون لمشاريع تطوير بعض مطاراتنا الدولية في كل من جدة والرياض والدمام والمدينة المنورة وغيرها من المطارات المحلية والإقليمية دور مؤثر في تحسين الخدمات وتوسع أنشطة الطيران وزيادة مساهمتها في توليد الدخل القومي وتوليد مزيد من فرص العمل. لا شك أن التحديات ما زالت كثيرة، لكن أغلبيتها تحديات إدارية وتنظيمية بالعزيمة الصادقة والإرادة النافذة يمكن تذليلها وتحقيق الآمال. قطاع الطيران في بلادنا ينتظره مستقبل أفضل بحول الله فليس بعد الضيق سوى الفرج. تحية لكل مسؤول وعامل صادق ومخلص في هذا المرفق الحيوي المهم.