تعيين «مرشد وظيفي» .. في الثانويات والجامعات

''فيصل'' شاب سعودي تخرج في الثانوية العامة (علمي) أخيرا، والتحق بإحدى جامعاتنا السعودية، وقبل أن يترك مقاعد الثانوية، تعرض لضغوط نفسية وحالة من التشتت الذهني، لرغبته من جهة في الحفاظ على مستوى دراسي عال، ومن جهة أخرى حاجته الملحة إلى اتخاذ قرار ''مصيري'' يحدد بموجبه المسار ''الأكاديمي'' الذي سيفضي به إلى المسار ''المهني'' الذي سيسلكه طوال حياته ما لم يغير!
والد ''فيصل'' كان موظفا حكوميا بسيطا، ونال نصيبا محدودا من التعليم، وها هو ذا تقاعد منذ سنوات، أما والدة ''فيصل''، فهي ربة منزل، وبالكاد تقرأ وتكتب، وإخوة ''فيصل'' لم يلتحق أحد منهم بالجامعة، ولو التحق هو، فسوف يحطم الرقم القياسي ضمن أسرته.
مناهجنا الدراسية وثقافتنا السعودية لا تساعد ''فيصل'' وزملاءه على بناء الشخصية، وتعزيز الاستقلالية، والتفكير الإبداعي، ولا تساعدهم على كشف الميول والاهتمامات منذ الصغر، ولا توفر لهم أية أدوات لتساعدهم على اتخاذ القرارات، وحل المشكلات التي تواجههم في الدراسة أو الحياة إجمالا.
في ظل هذه المعطيات، هل يستطيع ''فيصل'' أن يتخذ قرارا صائبا لتحديد العناصر التالية:
- هل أواصل الدراسة في الجامعة داخل السعودية أم خارجها؟
- إذا كانت الدراسة في خارج السعودية، فإلى أي بلد أذهب؟ وما الجامعة التي أختارها؟ وعلى أي أساس أختارها؟ وما التخصص الذي أختاره؟
- وإذا كانت الدراسة داخل السعودية، فما الجامعة التي أختارها؟ وعلى أي أساس يتم اختيارها؟ وما التخصص الذي أختاره؟
- وبعد التخرج في الجامعة، هل أتجه إلى العمل في القطاع العام؟ وإذا اخترت هذا القطاع، هل ألتحق بوظيفة ''مدنية'' أم ''عسكرية''؟
- هل أختار العمل في القطاع الخاص؟ وإذا اخترت هذا القطاع، هل أذهب إليه كـ ''موظف'' يعمل عند صاحب عمل أم كـ ''رائد'' من رواد الأعمال يوظف الشباب عنده؟
والدا ''فيصل'' وإخوته غير قادرين على مساعدته في تضييق نطاق الخيارات المتاحة، وبالتالي معاونته على اتخاذ قرار سليم حول مستقبله الوظيفي، ولذلك فإن فيصل أمام خيارين، أحلاهما مر:
- إما أن يلجأ إلى زملائه، ويساير ميولهم واهتماماتهم حتى لو كانت عكس ميوله واهتماماته التي سيكتشفها متأخرا (سياسة ''اتباع القطيع'').
- أو أن يغامر في الدراسة في جامعة وتخصص قد ينجح فيهما وقد لا ينجح (سياسة ''السباحة أو الغرق'').
لكن عند النظر إلى الكثير من البيوت السعودية - والخليجية - نجد أن أمثال ''فيصل'' ينتشرون على نطاق واسع، تتغير أسماؤهم وظروفهم الدراسية والاجتماعية، لكنهم يتشابهون في النتيجة ذاتها: شباب حائر وضائع لا يدري إلى أين يذهب؟ وكيف يذهب؟
فهناك نتائج كبرى تترتب على القرارات التي يتخذها شبابنا وفتياتنا على غير بينة، وقد لا يدركون خطورة هذه النتائج إلا بعد فوات الأوان.. أي بعد أن يفقدوا سنوات من أعمارهم بحثا عن فرصة عمل غير موجودة في سوق العمل، والسبب أن مؤهلاتهم لا تتماشى مع احتياجات ذلك السوق.
إنني متيقن أن طلابنا في الثانوية العامة أو حتى الجامعات، عاجزون عن استيعاب مفاهيم كثيرة تتعلق بمستقبلهم، مفاهيم مثل، الأمان الوظيفي job security، والرضا الوظيفي job satisfaction، وهما شعوران مختلفان تماما، فالأمان الوظيفي هو إحساس الموظف بأن وظيفته محمية بموجب القانون ومأمونة من قرارات الفصل، أما الرضا الوظيفي، فهو شعوره بالسعادة والمتعة تجاه العمل الذي يؤديه، والمزايا التي يحصل عليها مقابل أداء هذا العمل.
فمَن ذلك الذي سيرشد ''فيصل'' وزملاءه، ويوضح لهم أن جهات العمل في السعودية يمكن تصنيفها وفق الأمان والرضا الوظيفيين؟ فبحسب ''مصفوفة الأمان والرضا'' التي سبق أن طرحناها (الاقتصادية - العدد 6805)، فإن أمام ''شبابنا'' أربع فئات من جهات العمل:
- جهات يشعر فيها الموظف بارتفاع في الأمان الوظيفي وارتفاع في الرضا الوظيفي، وهي الهيئات والمؤسسات العامة والشركات المملوكة للحكومة، وهي جهات تجمع بين خصائص القطاعين العام والخاص.
- جهات يشعر فيها الموظف بارتفاع في الأمان الوظيفي وانخفاض في الرضا الوظيفي، وهي بعض الوزارات.
- جهات يشعر فيها الموظف بانخفاض في الأمان الوظيفي وارتفاع في الرضا الوظيفي، وهي الشركات عموما.
- جهات يشعر فيها الموظف بانخفاض في الأمان الوظيفي وانخفاض في الرضا الوظيفي، وهي المؤسسات الفردية.
ومفهوما الأمان الوظيفي والرضا الوظيفي هما مجرد مثالين بسيطين لم يشرحا لطلابنا وطالباتنا وهم على مقاعد الدراسة أو أرائك البيت، لهذا أقترح على وزارات التعليم العالي، والتربية والتعليم، والخدمة المدنية، والعمل .. أن تقضي على حالة التخبط الأكاديمي والمهني التي يعانيها شبابنا وفتياتنا، وأن تساعدهم على اتخاذ القرارات السليمة على صعيد الدراسة والمهنة، من خلال إبرام ''مذكرة تفاهم'' فيما بينها، يتم بموجبها تعيين ''مرشد وظيفي'' في كل ثانوية وجامعة (بنين وبنات) في السعودية، يتولى تقديم النصح والإرشاد الوظيفي (المهني) للطلاب والطالبات، وأقترح كمرحلة أولى أن يتم الاستفادة من المتقاعدين الذين عملوا مسؤولين في إدارات الموارد البشرية (شؤون الموظفين) في القطاعين الحكومي والخاص، ويتم التعاقد معهم للعمل على وظيفة ''مرشد وظيفي''، كل حسب القطاع الذي عمل به والمنطقة التي يقيم فيها، وفي المرحلة الثانية - أي بعد سنتين أو ثلاث سنوات من تطبيق الفكرة - يتم تعيين الشباب من ذوي الخبرة والمتخصصين في إدارة الموارد البشرية في هذه الوظيفة المستحدثة.
على أن يتم تأهيل المرشد أو المرشدة الوظيفية من خلال برنامج يساعدهما على اكتساب مهارات إرشاد الشباب والفتيات، ومساعدتهم على التخطيط الدراسي والمهني، وبالتالي توجيههم التوجيه السليم لانتقاء أفضل الخيارات لهم، وصدقوني لو طبقت هذه الفكرة، فإن ''فيصل'' وأقرانه لن يتوهوا أو يتخبطوا في مساراتهم التعليمية أو الوظيفية، ولن تتكدس سوق العمل عندنا بخريجين وخريجات في تخصصات نظرية لا تحتاج إليها سوق العمل!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي