النقر الهادر بالماوس

حتى وقت قريب لم يكن أحد يهتم بأمن الإنترنت بشكل عام سوى المهووسين بالكمبيوتر وأولئك الناس المهتمين بالمؤامرت. إن مخترعي الإنترنت الذين كانوا جزءا من مجموعة صغيرة ومنطوية على نفسها كانوا مرتاحين جدا بوجود نظام مفتوح لم يكن فيه الأمن هو مصدر القلق الرئيس، لكن بوجود ثلاثة مليارات مستخدم تقريبا للإنترنت هذه الأيام فإن هذا الانفتاح بالتحديد أصبح مصدر ضعف جوهري، كما أنه أصبح يعرض للخطر الفرص الاقتصادية الكبيرة التي فتحها الإنترنت للعالم.
إن ''الهجوم الإلكتروني'' يمكن أن يأخذ أشكالا عدة بما في ذلك التحقيقات البسيطة وتشويه مواقع الإنترنت والهجمات لمنع تقديم الخدمة والتجسس وتدمير المعلومات، كما أن أفضل تعريف لمصطلح ''الحرب الإلكترونية'' هو أي عمل عدائي في الفضاء الإلكتروني يساوي عنفا جسديا كبيرا أو يضاعف من تأثيره، لكن هذه الحرب متغيرة، ما يعكس تعريفات ''الحرب'' التي تمتد من الصراع المسلح إلى الجهود المشتركة من أجل حل مشكلة ما ''على سبيل المثال ''الحرب على الفقر''.
إن الحرب الإلكترونية والتجسس الإلكتروني مرتبطان بشكل أساسي بالدول، بينما الجريمة الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني مرتبطان في الغالب بعناصر من غير الدول. إن أكبر النفقات تنبع من التجسس والجريمة، لكن خلال العقد المقبل على وجه التقريب فإن الحرب الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني يمكن أن يشكلا تهديدات أكبر من تلك الموجودة حاليا، وبينما تتطور التحالفات والتكتيكات فإن التصنيفات يمكن أن تتداخل بشكل متزايد، فالإرهابيون يمكن أن يشتروا البرمجيات الخبيثة من المجرمين، والحكومات يمكن أن تجد أن من المفيد الاختباء وراء الاثنين.
إن بعض الناس يجادلون بأن الردع لا يعمل في الفضاء الإلكتروني بسبب مصاعب تحديد المسؤولية، لكن هذه إجابة سطحية، فعدم تحديد المسؤولية بشكل كاف يؤثر في الردع بين الدول أيضا، لكنه لا يزال يعمل حتى لو تم إخفاء مصدر الهجوم بشكل ناجح تحت ''علم زائف'' فإن الحكومات يمكن أن تجد نفسها مشتركة في علاقات مترابطة ومتماثلة، ما يعني أن أي هجوم كبير ستكون له نتائج عكسية، فالصين على سبيل المثال ستخسر من أي هجوم قد يضر بشكل كبير بالاقتصاد الأمريكي والعكس صحيح.
إن المهاجم غير المعروف يمكن أن يرتدع إذا كانت هناك إجراءات للأمن الإلكتروني، فلو كانت الجدران النارية قوية أو كان التعزيز والمرونة يسمحان باستعادة النشاط بشكل سريع أو كانت هناك إمكانية لوجود رد ذاتي ''سياج كهربائي'' فإن الهجوم يصبح أقل جاذبية.
بينما تحديد مسؤولية مصدر الهجوم الإلكتروني بشكل دقيق صعبة أحيانا، لكن هذا التحديد يجب ألا يكون بالضرورة محكما وبالدرجة التي يكون فيها الإعلام الزائف منقوصا والإشاعات عن مصدر الهجوم تصبح ذات مصداقية على نطاق واسع (على الرغم من كونها غير صالحة للإثبات قانونيا) فإن من الممكن أن يسهم الضرر الذي قد يلحق بسمعة القوة الناعمة للمهاجم في عملية الردع.
لقد سعت روسيا والصين إلى إقامة معاهدة تؤسس لمراقبة دولية واسعة على الإنترنت و''أمن المعلومات'' التي قد تمنع الخداع أو تضمين برمجيات أو دوائر ضارة يمكن تفعيلها في حالة الحرب، لكن أمريكا جادلت بأن إجراءات الحد من الأسلحة التي تمنع القدرات الهجومية يمكن أن تضعف الدفاعات ضد الهجمات وسيكون من المستحيل التحقق منها أو تطبيقها.
لقد قامت الولايات المتحدة كذلك على أساس القيم السياسية بالاعتراض على الاتفاقيات التي يمكن أن تشرع للحكومات السلطوية بأن تقوم بالرقابة على الإنترنت – على سبيل المثال ''سور الصين الناري العظيم'' كما أن الفروقات الثقافية تمنع أي اتفاقيات عريضة تتعلق بتنظيم المحتوى على الإنترنت.
إن النطاق الإلكتروني الانتقالي يطرح أسئلة عن معنى الأمن الوطني، إن بعضا من هذه الردود المهمة يجب أن يكون على المستويين الوطني والفردي ويركز على الأحوال والممارسات والتعزيز والمرونة. إن من المرجح أن تكتشف الحكومات الكبرى قريبا أن انعدام الأمن الذي يشكله اللاعبون في المجال الإلكتروني من غير الدول سيتطلب تعاونا أوثق بين الحكومات.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكت، 2013

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي