التربية المالية .. واستثمار الأجيال

تتشعب التزاماتنا المالية يوماً بعد يوم حسب تشعب طبيعة حياتنا المعاصرة التي تفرض علينا أبوابا جديدة لهذه النفقات مقابل أبواب ثابتة معتادة في الحصول على المال، وهو ما يرفع الفرق بين كفة الوارد وكفة الخارج من ميزان النفقات لصالح كفة الخارج، وبشكل يسمى في عرف التجاريين بالعجز التجاري!
ولا شك أن لكل دولة خططها الخاصة لعلاج تداعيات ذلك العجز، والتخفيف من الفرق قدر الإمكان، وإلا تفاقمت المشكلات، وارتفعت حدة البطالة، ومعها التضخم والغلاء وقس على ذلك من المشكلات التي لا تنتهي، لكننا نتحدث الآن عن الوضع الأسري، ترى مقابل ما ذكرناه، وفي ضوء التحديات المصاحبة للإنفاق هل من خطط واضحة للسيطرة على هذا الفرق أم لا؟
تختلف مصروفات المعيشة في المملكة من منطقة وأخرى، وقد يكون اللاعب الأساس في هذه المعادلة هو الإسكان وتكلفة الإسكان إن كان للشراء أو للإيجار، فالمواطن قد يصرف نصف دخله على الإيجار ومع غياب الرقيب - للأسف - استغل بعض التجار هذه الفرصة وصرع المواطن بالأسعار الخيالية.
إذن ما الحل؟، هل نجلس ونندب حظنا ونتذمر ونقول لو ولو أم نبحث عن حل؟ سنحاول في هذا المقال وضع لبنة في بناء حل طويل الأمد يبدأ من البيت بقصة عن عائلة عربية تعيش في بريطانيا كنت في ضيافتها ذات يوم، وسمعت البنت تحدث أمها وتقول: ''أمي، ما هي الميزانية لدعوة فلان؟''، فقالت الأم: ''كذا باوند''، فاجابت البنت: ''إذاً سنقوم بإعداد كذا وكذا'' مشيرة إلى المتاح من تكلفة الميزانية.
لو تأملنا في القصة قليلاً، وهو كيف وصلت البنت إلى هذا السؤال حول الميزانية المخصصة للدعوة، بينما السؤال الشهير لدينا يقول: ''إيش أجيب من السوبر ماركت أو المطعم؟'' وليس كم الميزانية؟ مع الإشارة إلى نقطة مهمة، هي أن ذلك السؤال لا علاقة له بالكرم والبخل، فنحن أهل كرم، وإنما له علاقة بالتبذير، وأعتقد أن الجميع يحب الكرم ولا يود أن يكون من المبذرين لأنهم إخوان الشياطين.
كيف نربي أبناءنا على حسن التدبير والتخطيط المالي؟ تبدأ التربية على ذلك من عمر ثلاث أو أربع سنوات من عمر الطفل، كيف؟ يجب أن يتعلم الطفل لماذا يذهب الأب أو الأم للعمل، ويجب أن نكون واقعيين مع أبنائنا، ثانياً: يجب أن يتعلم الطفل كيف يتم كسب المال، وماذا يعني هذا الكسب، ويجب على الأهل أن يشرحوا كيف يعانون حتى يصل هذا المال لهم، فالمال ليس مجرد بطاقات لدائنيه بها أموال يمكن لأي شخص الحصول عليها، ثالثاً: يجب أن يتعلم الطفل العمل ليعرف قيمة العطاء، مثال: إذا علّمت الطفل أن يعيد ألعابه في مكانها الصحيح فإنه سيحصل على مكافأة كذا، وهكذا، كما يجب أن يكون لديك يوم في السنة تجلس فيه مع طفلك، وتجعله يختار من ألعابه ما لا يحتاج له ليقدمها هو بنفسه هدية للأطفال المحتاجين، وأكرر هو بنفسه حتى يشعر بما أنعم الله عليه، وقِس على هذه الأمثلة.
وعندما يصل طفلك عمر سبع سنوات يجب أن تضيف إلى القواعد السابقة التي تعلمها، مثل أن يقوم بأعمال في البيت من دون مقابل كتنظيف غرفة، ويتعلم أنه إذا عمل أكثر سيحصل على مكافأة أكثر، كما هو واقع العمل لدينا، فهناك مهام تقوم بها وهي تعتبر من صميم العمل ولا نحصل على مكافأة عليها مثل المدرس أو المدرسة لا يحصلان على مكافأة نظير تدريس الطلبة، ولكنهما يحصلان على تقدير عندما يبدعان ويتميزان عن الآخرين ويتعديان التوقعات، كذلك لا بد أن يتعلم عدم المكافأة على شيء من المتوقع أن ينجزه أصلاً، مثل أن ينجح في المدرسة بتقدير جيد، ولكن عندما يتفوق يستحق المكافأة، ومن القواعد المهمة أيضاً أن تعطيه مصروفاً أسبوعياً يتعلم من خلاله كيف يوفر منه، وبهذا سيتعلم قيمة المال، وكيف يديره ويحافظ عليه.
التعليم الجامعي قد يكون همّاً لدى الجميع، والجميع يدين بالفضل لخادم الحرمين على فرصة الابتعاث التي تدل على أنه أب ويشعر بهموم أبنائه، ومع هذا، فهناك الكثير ممن يرغب أن يتعلم أبناؤه في أفضل الجامعات في العالم، ولكن كيف يمكن ذلك مع ارتفاع التكلفة؟ وما الحلول لتوفير هذه المبالغ؟، لذا قبل أن تبدأ بحل مشكلة مستقبل ابنك يجب أن تحل مشكلتك أنت أولاً، يجب ألا يكون لديك أي دَين من خلال البطاقات الائتمانية، يجب أن تكون لديك خطة للطوارئ المالية بمعنى أن يكون لديك مال يكفيك مدة ثمانية أشهر لكي تعيش هذه المدة عيش الكفاف، وأنا أقدر هذا المبلغ بما يقارب 40 ألف ريال لمدة سنة، كما يجب أن تكون لديك خطة تقاعد، أي يتوافر لديك مال يعود عليك في فترة تقاعدك.
ربما يجد البعض أن هذا الكلام نظري ويصعب تطبيقه، وأنا أقول إن الإنسان يولد وهو لا يعرف ولا يملك شيئاً لكنه يكوّن نفسه بجده واجتهاده وعمله، نعم ربما ولد البعض وفي أفواههم ملعقة ذهب، لكن كم نسبة هؤلاء؟ كما أن الكثير منهم قد يضيعون هذه الملعقة إذا لم يحافظوا عليها، ويرتفع آخرون كانوا يوما فقراء جدا، ففي جميع الأحوال أنت من تصنع نفسك، لذلك، لا بد أن نربي أبناءنا تربية صحيحة حتى لا نشوّه مستقبلهم بتربيتنا السيئة لهم، ونضيع مستقبلنا بتضييع مستقبلهم الذي عليه نعول، وبه نقطف الثمار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي