زيادة الممارسين الصحيين .. المهم تجويد الخدمة
على مستوى الدولة، مع انفراج الأحوال الاقتصادية عادة ما يكون كم ونوع المشاريع مؤشرا لبداية تحسين الأداء؛ لأن ما كان صعب المنال أصبح سهلا، وما كان بعيدا يقترب إلى أن يتم. وبالتالي يتم تقديم الخدمات بأساليب نموذجية ومتنوعة ومحدثة وتغطي بذلك مناطق جديدة من رقعة تلك الدولة. هذا إجمالاً ما أثبتته التجارب والدراسات على مستوى العالم في المجالات المختلفة. ولكن على صعيد القطاع الصحي كثير من المراجع ومصادر المعلومات الرصينة تبرز قضية مهمة جدا، لقد خلص الكثير إلى أن تقديم الخدمات الصحية مع زيادة اتساع رقعتها وتحديث سبل ووسائل تقديمها يجعل السيطرة والضبط عليها يكون أقل والتأكد من تطبيق التعليمات واللوائح يزيد صعوبة بعد أن تباعدت المواقع، وبدا لبعض الممارسين حرية اختيار المدرسة التي يتبعها. وهنا يتضح أن تبعات كثيرة يمكن أن تتجلى من هذا التوسع، خصوصا إذا كان متسارعا ونفذ في وقت قصير في عمر تجويد تقديم الخدمة. وبالتالي تبدأ الأصوات ترتفع مشيرة إلى المسؤول بالإخفاق أو الإهمال وغير ذلك وهو لم يأل جهدا في تقديم أفضل ما لديه محاولا إرضاء المستفيدين.
خلال السنوات الست الماضية التقارير الصحية كلها أثبتت أن الضخ الحكومي والأهلي للموارد البشرية في هذا القطاع كان إيجابيا ولكنه غير اعتيادي؛ حيث قفزت معدلات ونسب إلى أرقام بشرت بالخير في كم التغطية والانتشار مكانيا وبشريا، ما يدل على أننا نسير ـــ بإذن الله ـــ على الطريق الصحيح وما هو إلا عقد من الزمان وستكون المقارنة في مصلحة المشغلين ومستوى الخدمة لمصلحة المستفيدين. ما شد الانتباه أن ما يحدث لدينا هو في العموم مشكلة عالمية يمكن حدوثها في أي مكان في العالم مر أو يمر بمثل هذه الظروف، ولكن قد تكون الأسباب مختلفة. هذا يجعلنا نتساءل: هل نحتاج إلى إعادة هندسة القطاع الصحي ليكون فاعلا أكثر من الناحية الخدمية والاقتصادية؟
من خلال قراءة تجارب بعض الدول ودراساتهم في هذه النقطة وجدت أنهم يعانون جوانب عدة كما نعاني ''مع فارق التشبيه في النتيجة المحققة''. إلا أن جانبا واحدا كان محل جدل كبير دعا كتاب الأعمدة إلى أن ينقلوا الدراسات العلمية إلى المجلات والصحف بغرض تحفيز المجتمع على الإثراء للخروج بحلول يستفيد منها الجميع. هذا الجانب في القطاع الصحي هو ألا يمكن السماح بخفض مستوى الخدمة الصحية إذا ما ازدادت أعداد مقدمي الخدمة الممارسين واختلفت نسبهم لبعضهم بعضا على أساس أن الطبيب هو الأساس الذي يبنى عليه العدل. أما بالنسبة إلى هذه الدول فما يواجهها دائما وله وزن كبير في التأثير على الخدمة هو التمويل. ومع أنهم ابتدعوا التأمين في أشكال متنوعة وقسموه إلى فئات مختلفة، إلا أنهم كانوا يقعون في أفخاخ شرائح العمل والمجتمع والأمراض والعمليات الجراحية وغيرها مما لا نجده في وضعنا هنا.
ما يشد الانتباه هو ما نشره أخيرا الدكتور كوتشر أحد قدامى أعضاء هيئة التدريس في جامعة جنوب كاليفورنيا رأيًا أَزعج كثيرين. لقد حاول كوتشر وصف صناعة الرعاية الصحية بوصولها إلى مفترق طرق صَعَّب مهمة الإدارة فيها، ما أثر على تقديم الخدمة تأثيرا سلبيا. كان استدلاله أن نسبة أعداد الممارسين الصحيين من غير الأطباء للأطباء في آخر 22 عاما تزايدت بنسبة كبيرة، بينما لم تتطور نسب تقديم الخدمة وتحسينها بالحجم نفسه، الأمر الذي يعد تراجعا كبيرا في تقديم الخدمة. ولابد في هذه الحالة أن يعاد النظر في وضع التأهيل والتوظيف لئلا تتأثر الخدمة.
من وجهة نظر شخصية أرى أننا لم نصل بعد إلى هذه المرحلة، ولكننا في طريقنا إليها إذا لم نتقن التخطيط والتنفيذ في آن واحد. وبالتالي إذا ما استعرضنا الأسباب المؤثرة سلبا على تقديم الخدمة وطورنا نظاما للمحاكاة بفرضيات تجعلنا نتفادى الوصول إلى طرق محرجة أو مسدودة فإننا سنكون في الطريق الصحيح. وأعتقد أننا لابد أن نبدأ في الحديث عن أسباب تسهم في ضعف الخدمة للتفكير بصوت مسموع عن ماهية الحلول بمشاركة المجتمع. مما أعرف فإن العوامل أو المسببات يمكن تلخيصها في التالي: (1) التدريب المستمر غير متوافق مع متطلبات الجهات للتطوير والتحسين. وهذه تكمن في أن الجهاز الإداري الصحي لا بد أن يعيرها كل الاهتمام، فالتدريب على رأس العمل من أساس تحسين مهارات مقدم الخدمة سواء الفنية أو غير الفنية. (2) قيام بعض الشركات غير المتخصصة في الشأن الصحي بتمويل المناسبات والبرامج فتتدخل أحيانا في كثير مما حواه البرنامج محتوى وتصميما، ما يؤثر على نوعية ومستوى الرسالة المبلغة. (3) شركات ومكاتب التدريب وقد يكون أيضا مؤسسات والتأهيل تشترك في تخريج مستويات تعتبر أنصاف متعلمين. (4) مع تخريج أعداد كبيرة وعدم وجود مرافق للتدريب مقيمة ومعتمدة لتستوعب هذه الأعداد يبقى المسجلون في البرامج وينتظرون دورهم، إضافة إلى أن المتخرجين معطلون إلى حين إشعار آخر. وفي هذا تعطيل لعجلة التغطية لمواكبة خطط التنمية. وللحديث تتمة.