الخصخصة بالطريقة السليمة

تشير الأبحاث الأكاديمية على مدى الـ 20 عاماً الماضية، إلى أنه في الصناعات التنافسية تعمل الخصخصة بصورة منهجية على تحسين الكفاءة والأداء. وتبين الدراسات أن عوامل السوق والقطاعات الخاصة تستطيع تأمين كثير من السلع والخدمات بصورة أكثر كفاءة من نظيرتها في القطاعات الحكومية، نظراً للمنافسة في السوق الحرة.
على مدى الزمن يغلب على هذا الاتجاه أن يؤدي إلى تراجع في الأسعار، وتحسين النوعية، وعرض المزيد من الخيارات، وتقليل الفساد، وقتل البيروقراطية الحكومية والتسليم الأسرع للمنتجات ورفع الإنتاجية والقدرة التنافسية ورفع سقف الشفافية.
رغم تطوير الاقتصاد السعودي وتحديثه، إلا أن اعتماده على إنتاج النفط وتصديره بات أكبر من أي وقت مضى، وجاءت زيادة حجم الاقتصاد المحلي إلى أكثر من الضعف خلال السنوات القليلة الماضية كنتيجة مباشرة لارتفاع أسعار النفط ومعدلات إنتاجه.
بطبيعة الحال لا يمكن خصخصة كل القطاعات، فالدفاع والأمن وغيرهما من القطاعات السيادية هي من اختصاص الحكومة. وبرنامج الخصخصة الحالي الذي بدأ عام 2002 شجّع على الاستثمارات الرأسمالية ''خذ مثلاً قطاع اتصالات''، ساعد على خلق فرص وظيفية للمواطنين وولّد مكاسب تنافسية ومضاعفات مالية. لكن هناك أمور كثيرة تدعو فيها الحاجة إلى النظر إلى استراتيجية الخصخصة، من حيث تحديث أهداف الخصخصة في المرحلة المقبلة، وتعزيز نوعية وكمية المؤسسات التي يجب خصخصتها.
يجب وضع أهداف محدّدة لجميع المؤسسات الحكومية المجدية للخصخصة على المدى القريب والمتوسط والطويل، وينبغي وضع جداول زمنية ومواعيد الانتهاء منها وتبدأ بالعمل على تحقيقها من خلال مقاربة من أعلى الهرم إلى أسفله. يجب أن يكون هناك تركيز كبير على زيادة ملكية المواطنين للأصول. وينبغي أن تساعد الخصخصة على تعميق السوق المالية المحلية وتحسين الحوكمة. لا بد من أن يستمر التحسين في حوكمة جميع الشركات، العامة والخاصة على حد سواء. يجب على أعضاء مجالس الإدارات الذين يمثلون الدولة أن يكون لديهم مزيج سليم من الخبرة في القطاعين العام والخاص. ينبغي أن يرتبط المجالس والمديرون بالأداء، وبتوجّه واضح. والمؤسسات التي يجب خصخصتها بحاجة إلى المرور في عملية من التقييم الشامل والتدقيق المحاسبي وعملية إعادة الهيكلة للمديرين وأعضاء مجلس الإدارة قبل الخصخصة.
الخصخصة هي عملية يتنافس فيها المستثمرون الأجانب مع المستثمرين المحليين. وقد أظهرت خبرة روسيا وأمريكا اللاتينية في التسعينيات وجود فساد على نطاق واسع، حيث تحولت فيها الاحتكارات الحكومية العامة إلى احتكارات خاصة. في عام 2002 نشر البنك الدولي بحثاً جاء فيه أن الفساد كان في القطاعات غير المخصخصة أكبر منه في القطاعات المخصخصة. لكن لا يمكن تنفيذ الخصخصة دون أن نأخذ في الاعتبار المخاوف حول التوظيف وحقوق الملكية ورفع الكفاءة. ينبغي تقييم أداء القوى العاملة على مستوى المؤسسات الحكومية القابلة للتخصيص، وضع برامج تحفيزية لأفضل الموظفين، ويتم أيضا استبدال الموظفين الأقل كفاءة بموظفين ذوي إنتاجية عالية، بينما يتم تدريب هذه النوعية من الموظفين الأقل كفاءة.
قبل أن تنطلق عمليات الخصخصة هناك حاجة إلى إجراء تغيير شامل في القوانين التنظيمية والتنفيذية. هناك غياب شبه كامل من حيث الرقابة والتصدّي للممارسات غير العادلة وغير التنافسية. لا تعمل الأسواق دائماً بالطريقة المثلى ولا تعمل دائماً لما فيه خير المستهلكين. ومن هنا من الضروري وجود إشراف حاد على السوق بأنواعه كافة.
لا تعني الخصخصة أنه يجب استبعاد القطاع العام. بل على العكس، فإن الشراكة بين القطاعين العام والخاص ضرورية ويجب تشجيعها من أجل مشاريع البنية التحتية الكبيرة، مثل الموانئ والطرق والقطارات والمطارات والمنافع والطاقة الكهربائية. ما تدعو الحاجة إليه بأسرع وقت هو استراتيجية تبين ملامح المواقع التي يجب أن يصل إليها الاقتصاد خلال 20 سنة وكيف ستعمل الخصخصة على تعميق هذه الرؤية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي