الزهور والوحوش
وأنا أتسكع بين القنوات الفضائية شاهدت برنامجاً يقدمه الفنان "حسين فهمي" سفير الأمم المتحدة لذوي الاحتياجات الخاصة لمنطقة "الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".. استضاف مجموعة من فتيات الشوارع صغيرات في عمر الزهور.. هربن من بيوتهن بحثاً عن الأمان والاستقرار.. ونتيجة ظروفهن الأسرية الصعبة.. كانفصال الوالدين وزواجهما.. المعاملة السيئة.. الفقر.. الجهل.. الأسباب كثيرة والنتيجة المؤلمة الضياع في عالم الشارع الموحش.. التشرد.. الاغتصاب.. الإدمان.. ولكن ما أثار فزعي مأساة إحداهن.. التي تروي قصتها كيف هربت للشارع وفضلت حياة التشرد بعد الاعتداء الجنسي الذي تعرضت له من أقرب الناس إليها.. والدها.. الذي أفقدها الشعور بالأمان فخرجت تبحث عنه في الشارع.. والحقيقة أن اعتداء المحارم وذوي القربى من أكبر المشكلات التي تواجه المجتمع العربي.. إن نسبة اغتصاب الأطفال بالإكراه تمثل ما بين (80 و85%) في المجتمع العربي وهذا ما تؤكده الإحصاءات الأمنية.. وأعداد الأطفال المترددين على المستشفيات.. ويشكل زنى المحارم نحو 15 في المائة من جرائم الاعتداء.. ويعتبر هذا النوع من الاغتصاب من أشد أنواعه.. لأنه يؤذي الطفل والأسرة ويحتاج إلى علاج نفسي واجتماعي طويل جداً.. ولا سيما أن الكثير من العائلات تتكتم الأمر لأنه يمس قيمها ويعتبر عاراً اجتماعياً.. ويتم تجاهل شكوى الطفل الذي يتعرض لأزمات نفسية معقدة.. فمن مرحلة الصدمة وعدم تصديقه ما حدث والخوف النفسي إلى مرحلة الصمت التي تعزز أسرياً.. أو لعدم وجود رقابة أسرية.. فيصبح الطفل في حالة إنكار لما حدث.. هنا تحدث انتكاسة إذ يشعر أنه إذا تعرض للاغتصاب ثانية فقد يخفف عنه الألم فيبحث عن تعويض نفسي.. هذا التعويض ينقله إلى مرحلة أخطر وهي استغلاله من آخرين جنسياً ونفسياً ومعنوياً.. فيتحول شيئاً فشيئاً لمنحرف وشاذ جنسياً.. عندها يكون العلاج النفسي والطبي في أخطر مراحله.
والحقيقة أن الواقع حافل بالقصص التي تشيب لها الرؤوس نتيجة تعرض أصحابها لهذا النوع من الاغتصاب.. الأسرة ثم الأسرة.. الدور الأول يقع على عاتقها في حماية أبنائها وتشديد الرقابة وتوعيتهم ومواجهتها بشجاعة وليس بالهروب وكذلك المدرسة لها دور في نشر الوعي ومتابعتهم وتشديد الرقابة عليهم.
لا تتركوا الزهور للوحوش!!.