تنافسية الصناعات البتروكيماوية السعودية الأساسية والتحويلية

لا شك أن صناعة البتروكيماويات السعودية أصبحت علامة فارقة عالميا بتوفيق من الله ثم بدعم الدولة غير المحدود والعمل الجاد لهذه الصناعة خلال العقود السابقة.
وأصبحت الشركات البتروكيماوية السعودية مفخرة وطنية لا تقل عن مثيلاتها العالمية، أمثال ''داو كميكال'' و''أكسون موبيل''، وأضحت تصنف من أكبر الشركات البتروكيماوية العالمية.
ودخلت ''أرامكو السعودية'' أيضا إلى الصناعات البتروكيماوية عبر مجمع ''بترو رابغ'' التكاملي، وتأسيس شركة ''صدارة'' بالشراكة مع ''داو كميكال''، وبدخول ''أرامكو السعودية'' تكون الصناعة البتروكيماوية في السعودية قد وصلت إلى مرحلة متقدمة، وتكون بهذا مع شقيقتها ''سابك'' الرائدة في هذا المجال والقطاع الخاص العصر الذهبي للبتروكيماويات السعودية. وتعد مادة ''الإيثيلين'' أساس صناعة البتروكيماويات الأساسية، وتحتل السعودية مرتبة متقدمة في إنتاج هذه المادة الأساسية، فهي ثالث أكبر بلد في العالم في إنتاج ''الإيثيلين''، الذي يُنتَج منه البلاستيك ومواد أخرى.
وبحسب مجلة النفط والغاز الشهيرة، فإن إنتاج السعودية من ''الإيثيلين'' يُقدَّر حاليا بنحو 9 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي، وهو أكثر من إنتاج جميع الدول العربية وإيران، ويكاد يساوي إنتاج جميع دول منظمة ''أوبك'' مجتمعة.
وعلى صعيد آخر، فإن السعودية تنتج نحو 10 في المائة من الإنتاج العالمي لـ ''الميثانول''، وتعد تكلفة إنتاج ''الميثانول'' في السعودية الأرخص عالميا، إذ إنها لا تتعدى 80 دولارا للطن، بينما تقترب أسعاره العالمية من 500 دولار للطن.
إذاً، للسعودية مكانة عالمية ومرموقة في إنتاج البتروكيماويات، لكن ومنذ عام 1998 والسعودية توفر اللقيم لهذه الصناعات بأسعار زهيدة، فيُباع لقيم الغاز الطبيعي ولقيم ''الإيثان'' بسعر واحد هو 0.75 دولار للمليون وحدة حرارية، ولم تتغير هذه التسعيرة منذ أكثر من 15 سنة.

#2#

ورغم أن العالم قد مر في هذه الفترة بقفزات وانحدارات اقتصادية زلزلت العالم صعودا وهبوطا، وأدت إلى دخول البتروكيماويات العالمية في دورات متتالية من الانفراج والانكماش؛ إلا أن الوضع في السعودية لم يتغير، والتسعيرة ثابتة لمساعدة الصناعات البتروكيماوية على الحصول على ربح أعلى.
ويعرض شكل ''1'' مقارنة بين أسعار اللقيم الحالية في بعض دول العالم، ومع العلم أن أمريكا، وهي أقرب دولة للسعودية من ناحية السعر، تشهد وضعا فريدا وخاصا، وهو طفرة إنتاج الغاز الصخري.
ووصلت أسعار ''الإيثان'' في أمريكا إلى 20 دولار للمليون وحدة حرارية في تموز (يوليو) 2008، وسجّلت في أيلول (سبتمبر) 2011 نحو 13 دولارا للمليون وحدة، إلا أن غزارة إنتاج ''الإيثان'' من المصادر الصخرية أدت لتراجع أسعار ''الإيثان'' في أمريكا إلى مستويات بين أربعة وخمسة دولارات. لكن مع التوسع في إنتاج ''الإيثيلين'' في أمريكا، فإن الشركات الاستشارية العالمية ترى أن سعر ''الإيثان'' في أمريكا سيربط عاجلا أم آجلا بسعر ''النافثا''، وهذا منطقي، لأن ''النافثا'' يعتبر اللقيم المنافس لـ ''الإيثان'' في إنتاج ''الإيثيلين''.
أما أسعار لقيم ''الإيثان'' في آسيا وأوروبا، فجرى احتسابها على أساس لقيم ''النافثا''، وتبلغ أسعار ''النافثا'' الحالية نحو 900 دولار للطن وبما أن كل طن يحتوي على 45 مليون وحدة حرارية فتصبح قيمة المليون وحدة حرارية على أساس أسعار ''النافثا'' 20 دولارا للمليون وحدة.
وقد تراوحت أسعار ''الإيثيلين'' الحالية بين 1200 و1400 دولار للطن، ويجب أن نتذكر أن نحو نصف إجمالي ''الإيثيلين'' المُنتَج عالميا ''نحو 143 مليون طن'' هو مُنتَج من لقيم ''النافثا''، أما ''الإيثيلين'' المُنتَج من لقيم ''الإيثان'' فهو فقط في الشرق الأوسط وأمريكا الشمالية، ويشكل نحو ثلث ''الإيثيلين'' المُنتَج عالميا.
لكن يبقى ''الإيثيلين'' السعودي الأرخص تكلفة في العالم، وهذه حقيقة موجودة وأصبحت من المُسلّمات، ويستطيع أي فرد أن يجدها بمحرك البحث جوجل. انظر شكر ''2''.
ولنفرض أن شركة سعودية تنتج مليون طن ''إيثيلين'' سنويا من لقيم ''الإيثان''، الذي تصل تكلفة إنتاجه 100 دولار على أعلى تقدير؛ فهذا يعنى أن ربحية هذه الشركة فقط من تكسير ''الإيثان'' تصل إلى نحو 1.1 مليار دولار سنويا.
ولو أن لهذه الشركة شريكا أجنبيا، فهذا يعني أن هذا الشريك لا بد أن يأخذ نصيبه من هذا الربح الوفير من تكسير ''الإيثان''، الذي يحتاج فقط إلى الحرارة العالية وتقنيات غير مُعقّدة، أما لو كان اللقيم المُستخدَم عبارة عن خليط ''الإيثان'' وسوائل الغازات؛ فإن هذه الشركة ستربح نحو 800 دولار للطن، أي نحو 800 مليون دولار سنويا فقط من إنتاج ''الإيثيلين''.
من حق الجميع أن يستمتع بهذا الدعم الحكومي عبر توسيع الصناعات الثانوية والمرافق الحيوية التي تخدم شريحة أكبر من المجتمع والمواطنين، فالصناعات البتروكيماوية التحويلية تحتاج إلى يد عاملة أكثر أي أنها توظف مواطنين أكثر، لكنها لا تستمتع بانخفاض تكلفة الإنتاج على عكس الصناعات الأساسية.
فلو أن شركة أرادت أن تُنشئ مصنعا يحتاج إلى لقيم مثل ''الميثانول'' لإنتاج مُنتَج صناعي مهم للسعودية؛ فستضطر هذه الشركة أن تشتري ''الميثانول'' داخل السعودية بأسعاره العالمية، التي تصل إلى نحو 450 دولارا للطن، بينما تكلفة إنتاجه داخل السعودية بالكاد تصل إلى 70 دولارا للطن، أي أن كل الدعم ذهب للمُنتَج الأول، ولم يبق شيء للمُصنّع الثاني، ما أدى إلى ازدهار الأول ومعاناة الثاني.
ورغم أن تكلفة ''البولى إيثيلين'' في السعودية الأرخص في العالم، إلا أنه لو أرادت شركة أن تنشئ مصنعا لاستخدام ''البولى إيثيلين'' السعودي كلقيم؛ لتوجّب عليها أن تدفع بالأسعار العالمية، رغم أن الدولة توفر اللقيم للمنتج الأساسي بأسعار زهيدة.
يجب علينا التفكير بآلية جديدة وخلاقة لمساعدة الصناعات التحويلية للقيام بمهماتها والتغلب على التحديات التي تواجهها.
وبحسب التقرير السنوي لـ ''أرامكو السعودية'' في عام 2012؛ فإن الشركة باعت نحو 2.920 تريليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي، ونحو 548 تريليونا وحدة حرارية من ''الإيثان''. فلو تم رفع أسعار هاتين المادتين، بحيث تبقى أكثر تنافسية من أقل الأسعار الأخرى في العالم الصناعي؛ فإن هذا سيضمن بقاء تنافسية الصناعة السعودية، وسيضع في خزينة الدولة عدة مليارات من الدولارات سنويا كفيلة بدعم الصناعات الأخرى، والتوسع في صناعة الغاز، والتنقيب عن مصادر جديدة؛ ما يوجد فرص عمل جديدة للشباب السعودي.
إن تعديل الأسعار أصبح ضرورة مُلحّة للتوسع والتنوع في الصناعات، ولزيادة كفاءة استهلاك الطاقة، ولا سيما أن هذه الثروات ناضبة. قد لا تخدم الأسعار الحالية مشاريع التنمية المستقبلية، لذلك فقد تتطلب المرحلة المقبلة نهج سياسات تسعيرية جديدة تتلاءم مع ارتفاع تكاليف إنتاج الغاز من الحقول الجديدة باهظة التكاليف، وتبقى مصلحة الوطن تعلو فوق الجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي