الجيل الثالث في الشركات العائلية
يعتبر القطاع الخاص من مقومات الاقتصاد الوطني لجميع دول العالم، وتختلف درجة الاعتماد عليه من دولة إلى أخرى. حالنا هنا لا يختلف عن باقي دول العالم، فيعتبر القطاع الخاص حجر زاوية في الاقتصاد السعودي، ومحركا رئيسا لدعم عجلة النمو الاقتصادي السعودي. وقد ساهمت الشركات العائلية في دعم مسيرة النمو الاقتصادي بشكل إيجابي.
ومن المتوقع أن تزيد أهمية الدور الذي تلعبه هذه الشركات في المستقبل بإذن الله تعالى، وبالتالي فإنه من المهم جداً أن تتم المحافظة على هذه الكيانات الاقتصادية وتجنب انهيارها. الدراسات نحو استمرارية الشركات العائلية دائماً تشير إلى أن نسبة قليلة جداً تقدر بـ 15 في المائة من هذه الشركات تصل إلى الجيل الثالث بمستوى النجاح السابق نفسه. ودائما ما تكون الشرارة الأولى هي الخلاف على من يقوم بإدارة الشركة من أبناء الجيل الثاني، ويترتب على ذلك تبعات ينتهي بها الأمر إلى انهيار هذه الشركات أو الحد من نموها على أقل تقدير. وفي الواقع العملي هناك حالات كثيرة انهارت فيها شركات عائلية نتيجة لمثل هذه الخلافات.
وأعتقد أن مشكلة الإدارة يمكن السيطرة عليها من خلال زيادة التوعية بمفهوم الشركة العائلية وخلق ثقافة لكيفية إدارتها وأنه ليس بالضرورة أن تكون الإدارة التنفيذية من أفراد العائلة فقط، ويقتصر دور أفراد العائلة على الجانب الرقابي من خلال زيادة إجراءات الحوكمة على جميع التنفيذيين في الشركة بما فيهم أفراد العائلة، وكذلك إيجاد ميثاق للعائلة يتم العمل من خلاله والالتزام به. وهذا يخلق - بمشيئة الله تعالى - إدارات احترافية وبيئة ملائمة لتجنب الخلافات العائلية التي قد تعصف بشركاتهم.
وخلال السنوات الماضية اتجهت بعض الشركات العائلية إلى دراسة أوضاعها وخططها المستقبلية، واستدركت أهمية تبني منهجية التحول بالشركة العائلية من إدارة متواضعة تقليدية، يتحمل فيها أفراد العائلة جميع أعباء الإدارة من جميع الجوانب الاستراتيجية والتشغيلية وكذلك التنفيذية إلى إدارة تتوزع فيها المهام وفقاً للأهداف المرسومة تخضع لإجراءات الحوكمة وتنمية الكفاءات الإدارية بشكل مستمر ومنسق مع كل مرحلة من مراحل التطوير. وليس بالضرورة أن تكون عملية التطوير للشركة العائلية تهدف لطرح أسهمها للاكتتاب العام، وإنما ينظر ملاك الشركة لأهدافهم واحتياجاتهم. دون أدنى شك فإن وجود مناقشة مثل هذه الأمور بين ملاك الشركة العائلية أمر صحي.
وقد تكون الطفرة الاقتصادية التي نعيشها، ولله الحمد، والتي ينعكس أثرها على أداء هذه الشركات وأرباحها فرصة ملائمة لترتيب البيت من الداخل بين أفراد العائلة الواحدة، حيث إن النفوس تكون مهيئة لمناقشة مثل هذه الأطروحات وإيجاد الآليات التي تضمن، بمشيئة الله تعالى، استمرارية هذه الكيانات الاقتصادية لفترات زمنية تتعدى بكثير الجيل الثالث.