مرحباً بالاختلاف مع أمريكا

قليل هي الدول التي تتخذ مواقف قوية في قضايا حساسة، ومع ذلك تحافظ على علاقات جيدة مع الدول التي تختلف معها. هكذا كانت علاقات الرياض مع واشنطن. فعلى الرغم من كل الاختلاف والتباين في ملفات إقليمية وعربية كبرى مثل سورية ومصر وإيران، إلا أن السعودية تبرهن من جديد على قدرتها في التعاطي مع أشد الملفات تعقيداً، دون أن تخسر علاقاتها المتميزة مع حلفائها، بل هي تؤكد من جديد: أن تكون حليفاً لا يعني أن تكون تابعاً. الاختلاف في العلاقات السعودية ــــ الأمريكية يراه البعض كبيراً، وبلغ حداً ببعض المراقبين أن اعتبروه نهاية للحلف التاريخي بين البلدين، بينما يراه الأمير سعود الفيصل طبيعياً، فـ ''العلاقات الحقيقية لا تقوم على المجاملة، بل تركز على المصارحة والمكاشفة''، كما قال أمس في مؤتمره الصحافي مع نظيره الأمريكي جون كيري، الذي يزور الرياض؛ لا لترميم العلاقات بين البلدين، كما وصفته وسائل إعلام عالمية، وإنما لمزيد من الحوار في القضايا التي كان فيها هناك قدر من التباين في الرؤى، مع الإشارة إلى أن كثيرا من التحليلات والتكهنات بشأن ما أصاب الحلف التاريخي من توتر، هو في معظمه أمنيات أكثر منه تحليلاً واقعياً. أظن أن العلاقات السعودية ــــ الأمريكية تتجه إلى مزيد من الوضوح والشفافية، بعد أن كان هذا التباين والاختلاف يتم خلف الجدران والأبواب المغلقة، مما قد يوحي بأن هذه العلاقات غير متوازنة، كما يجب أن تكون أو كما هي على حقيقتها، أما وهذا التباين يخرج للعلن، فهو يعكس العلاقات على حقيقتها أولاً، ولا يسمح لطرف بأن يبدو وكأنه هو الأقوى، بينما الطرف الآخر يتفرج على قراراته. أما إذا وضعنا العلاقات الرسمية بين الطرفين جانباً، فلا شك أن الشارع السعودي متفاجئ من المواقف الأمريكية المتردّدة في ملفات يرى السعوديون أنها على خط التماس معهم، وعلى وجه الخصوص الأزمة السورية التي تتقدم فيها واشنطن خطوة وتتراجع خطوتين، والعلاقات مع طهران باعتبار أن دول الخليج، والسعودية على رأسها، تتمنى علاقات طيبة بين الولايات المتحدة وإيران، لكن دون تقديم مكافآت مجانية تعين إيران على التمادي، مثلاً، في احتلالها مناطق شاسعة في سورية، و''شرعنة'' تدخُّلها في دولة عربية، وهو ما يحسب على واشنطن أنها فعلته، لتعود بسرعة مذهلة وتحذر إيران من أنها لن تسمح لها بـ ''مهاجمة أصدقائنا العرب''.. ألا يدل هذا الارتباك في العلاقات مع طهران على أن واشنطن مترددة في ملفاتها؟! ربما تتعرّض العلاقات السعودية ــــ الأمريكية لغيوم سوداء حجبت الشمس قليلاً عن الأرض، وهذه الغيوم لا تضر بقدر ما هي تؤسِّس لعلاقات أكثر متانة طالما كانت المكاشفة ديدن التعاطي مع الملفات التي يُختلف فيها. لا جدال أنه من غير المرغوب فيه أن يكون هناك خلاف مع الحليف التاريخي، وفي الوقت نفسه ما الذي يمنع من الاختلاف في قضايا عديدة، متى ما رأت السعودية أن مصالحها تجبرها على ذلك؟ في مثل هذه الحالات يمكن لنا أن نقول: مرحباً بالاختلاف حتى ولو كان مع الدولة الأقوى في العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي