متطلبات السعودة الناجحة
كنت أنتظر دوري في ''طابور'' طويل؛ لكي أحاسب على مشترياتي في إحدى كبريات السوبر ماركت التي انتشر فيها السعوديون في وظيفة كاشير محاسبة بشكل كبير، على أساس أنها وظيفة لا تتطلب الكثير، مجرد شخص دقيق في عد النقود وتمرير السلع على الماكينة إلى أن تطلق صوتا يفيد بأنها سجلت السلعة ضمن مشتريات الزبون، وعندما أتى دور الزبون الذي أمامي بدأ في تمرير سلعه على الماكينة وعن طريق الخطأ قام الزبون بدفع سلعة من سلعه لكي يساعد الكاشير فمررها خطأ على ماكينة العد فأطلقت صفارتها المعهودة فانفجر الكاشير غضبا من الزبون، ولسان حاله يقول هذا عملي وليس عملك، إنك تسبب لي الغثيان بتدخلك في شؤوني، إن تلك الحادثة هي الأصغر بين حوادث موظفي الكاشير السعوديين الذين رأيتهم عدة مرات وهم يتعاملون مع الزبائن بخشونة كبيرة وكأنهم الزبائن والزبائن هم من يعملون بالمتاجر، بالتأكيد لست مع أي زبون يتعامل مع العاملين بخشونة، ولكن إن كان ولا بد من ذلك فالزبون أحق، لقد كاد موظفو الكاشير السعوديون أن يقولوا لزبائنهم باللهجة العامية ''عاجبك ولا ضف وجهك''، وعلى الرغم من أنني من المتحمسين للسعودة، إلا أن أولئك الموظفين وبتصرفاتهم غير المقبولة غيروا قناعاتي حيال ذلك، وبدأت أعيد النظر في الموضوع لعلي أجد الحل المناسب له الذي يضمن للزبائن تعاملا جيدا وخدمات محترفة.
الواقع أن عمل الكاشير في السوبر ماركت يحتاج إلى مهارة التعامل مع الجمهور، وذلك يحتاج إلى مواهب خاصة ودورات متخصصة؛ لكي يستطيع ذلك الكاشير التعامل مع نوعيات مختلفة من الناس، سواء كانوا مثقفين وأميين، أغنياء وفقراء، صغارا وكبارا، مرضى وأصحاء، مواطنين وأجانب، رجالا ونساء، لطفاء وغليظي القلوب، إن التعامل مع الجمهور فن رفيع لا يجيده الكثيرون، وهناك نوعية من الناس ليست مؤهلة للتعامل مع الجمهور، وستفشل بذلك حتى لو وفرت لها التدريب المناسب، حيث إن تلك النوعية من الناس لها شخصية غير مؤهلة للتعامل مع الجمهور وضغوط العمل الناتجة عنه.
ويجب على وزارة العمل أن توفر كوادر مؤهلة في إدارة الموارد البشرية لديها؛ لكي تعد الشباب بدورات تدريبية متخصصة قبل أن توجههم إلى مختلف الأعمال، كما عليها أن تدرس قدراتهم لكي توجههم إلى ما يناسبهم من أعمال، فمن منهم لديه موهبة التعامل مع الجمهور توجهه بعد تأهيله بالدورات التدريبية المناسبة لوظائف تتطلب التعامل مع الجمهور، وإذا كان دقيقا في الأعمال الورقية ترسله إلى أعمال النجاح فيها يعتمد على التعامل الدقيق مع الأوراق وهكذا، إن دور وزارة العمل أكبر من أن تضغط على الشركات لتوظيف العمالة السعودية أو حتى أن تمنح بدلا للعاطلين عن العمل، فيجب عليها أن تعمل لكي يتم توجيه السعوديين إلى أماكن العمل التي تناسبهم، وتعمل كذلك على ضمان حصولهم على تدريب مناسب للوظائف التي سيشغلونها وأن يحصلوا على تدريب مستمر لكي تتطور قدراتهم مع اكتسابهم مزيدا من الخبرات.
كما يجب على وزارة العمل أن تشترط في مكاتب التوظيف التي بدأت بالانتشار بشكل واسع أخيرا توافر كوادر مؤهلة في إدارة الموارد البشرية لكي تتعرف على إمكانات الشباب السعودي وما يحتاج إليه من دورات تدريبية لكي تجد لهم العمل المناسب وتخبر شركته الجديدة باحتياجاته التدريبية.
إن ما سيأخذه الجميع من انطباع أولي عن عمل الشباب السعودي سيبقى فترة طويلة قبل أن نتمكن من تغييره، فيجب علينا أن نتصرف بمهنية ولا نضيع هؤلاء الشباب بسبب سوء إدارتنا لهم، ويجب أن نعلمهم أولا وقبل كل شيء المفاهيم الرئيسة للقطاع الخاص، مثل أن العميل هو من يدفع لنا رواتبنا، العملاء والموردون هما سبب نجاحنا، قاعدة ربح ربح أي في أي صفقة تربح أنت ويربح الطرف الآخر ولا يوجد خاسر بينكما.
لقد بذلنا الكثير من الجهود لكي نرفع نسب السعودة في القطاع الخاص، وقد نجحنا بشكل جزئي في ذلك، إلا أن إهمالنا في إدارة الشباب السعودي بشكل محترف قد يعرضنا لنكسات يصعب علينا تجاوزها، آمل ألا يحدث ذلك.