الصناعة بنصف وزارة
هل فعلاً الصناعة خيار الدولة الاستراتيجي؟ نظرياً نعم وبقوة، نجد ذلك في تصريحات الوزراء والمسؤولين، وفي الخطط الخمسية التي تفصل ذلك خطة وراء خطة حتى بلغنا منها تسع خطط كاملة، أما على الواقع فلا يزال الحلم مؤجلاً، بل لا أبالغ إذا قلت ما زلنا نتلمس الطريق ولم نسلكه. اترك عنك كل ما تسمعه وتقرأه وحتى ما تشاهده، عليك بالأرقام ولا غيرها، فعندما تُعلن الميزانية نكتشف أن النفط وحده يسيطر على الإيرادات، وإذا سألنا وزير العمل وجدنا أن غالبية من يتم توظيفهم من السعوديين يذهبون للقطاع الخدمي وليس الصناعي، إذن أين هي مخرجات شعار الصناعة خيارنا الاستراتيجي؟
عقدة الصناعة السعودية أنها ما زالت تفتقد الثقة من الداخل، بالطبع ليس المقصود هنا الصناعات الكبرى، بل الصناعات المتوسطة والصغيرة، التي يتفق الجميع على أنها هي، لا الشقيقة الكبرى، الركيزة الأساسية والخيار الصحيح للتنويع الاقتصادي المنشود، ولعل أكبر مثال حاضر أمامنا هو اعتماد الشركات الكبرى، كـ "أرامكو" و"سابك" و"الكهرباء" و"معادن"، على شركات أجنبية في تنفيذ مشروعاتها، وكذلك تفعل جهات حكومية ووزارات أيضاً، ولعل المحزن أنه حتى المشاريع والاستثمارات الأجنبية في السعودية تعتمد على صناعات تأتي من بلدها، خذ عندك: شركة ساتورب، وهو مشروع مشترك بين "أرامكو" وتوتال الفرنسية باستثمارات تقدر بـ 50 مليار ريال. الشركة الباريسية تعتمد بالكامل على منتجات من شركات ومصانع بلادها، بينما المصانع السعودية ليس لها إلا أن تشتكي الحال وتراقب بصمت المنتجات الفرنسية تتمخطر في المشروع المقام على الأرض السعودية، وعلى هذه الشاكلة باقي المشروعات المليارية الضخمة، فهل بعد ذلك كله نفاجأ بأن الصناعة السعودية محلك سر، والنفط هو المهيمن على إيرادات الدولة؟
إذا أردنا، فعلاً لا قولاً، أن تكون الصناعة خيارنا الأول، فمن الضروري مراجعة عدد من الإجراءات المعيقة، مثل: نظام مشتريات الدولة الذي لا يلزم الوزارات عند توقيع عقود الصيانة والتشغيل بالاعتماد على المنتج الصناعي الوطني، عدم وجود مرجعية موحدة للصناعة، تفعيل دور صندوق التنمية الصناعي في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وكذلك الاستفادة من المنظمات والصناديق الدولية التي تشارك فيها السعودية بشكل فاعل غير أنه لا ينعكس ذلك إيجاباً على قطاع واعد مثل الصناعة.
السعودية حقيقة مؤهلة لأن تصبح من الدول الصناعية المهمة في المنطقة لما لديها من الإمكانات التي تعينها على ذلك، إلا أن الاستراتيجية الصناعية لم تحقق المنتظر والمرجو منها على الرغم من مرور عقد على ذلك، بعد أن غيبت أهم عنصر يساعد على نجاحها، وهو تنفيذ الأمر الوزاري بوضع شرط إلزامي على المقاولين باستخدام المنتج المحلي في كل المشاريع الحكومية لدعم وتحفيز وتشجيع الصناعة الوطنية، بغير تطبيق هذا البند سنبقى نمارس كلاماً كبيراً، لن ينتج عنه وقائع على الأرض بكل تأكيد.
بقي أن أقول: آن الأوان لفصل الصناعة عن التجارة. وزارة الصناعة والتجارة ــــ شكر الله ــــ سعيها مشغولة ومهتمة كثيراً بقضايا التجار والمستهلكين. لها ذلك، لكن ما ذنب الصناعة أن تكون على الهامش، ثم نقول: الصناعة هي خيارنا. الخيار الاستراتيجي لا يكون بنصف وزارة.