فواصل باتجاه الضوء

نلهث كل صباح باتجاه أكثر من هدف نسعى لتحقيقه، فنكتشف أننا فقدنا الكثير من البريق لأننا ننسى أن تتواصل مع ذاتنا قبل أن نتوجه صوب ذاك الحلم. صبحاتنا تكاد تكون متشابهة لأننا نتجاهل الكثير من المشاهد التي تمر بيومنا في ظل روتين نعتقد نحن أنه صاخب لكنه بكل تأكيد ليس كذلك. نحقق الكثير لكننا نسعى دائما للمزيد فلا نحتفل بالبسيط من الإنجاز.

تنطفئ شمعة الأشياء لدينا و لا نكاد نشعر بتوهجها في ظل أهداف كبيرة ننتظرها ويتسرب الملل إلى نفوسنا سريعا لأننا ننسى أن نعيش اللحظة بجمالها و رونقها. كيف لك أن ترى الشمس إذا كنت لا تعترف بخيوط الضوء من حولك ؟ مع كل إنجاز يتحقق هناك فواصل تستجمع فيها قواك لتواصل المسير. فواصل قد لا تسترعى انتباهك لكنها تشحذ همتك فلا تقفز فوقها لكن دعها تقودك للاتجاه الصحيح.

أصبح القلق و اضطراب النفس سمة مرافقة لعصرنا و يمكننا فقط أن تلقى نظرة على أحوال وجوه الكثير من السائقين عند الإشارة الضوئية و هم يسترقون النظر باتجاه الساعة في انتظار حركة اعتدنا أن نكون جزء منها. صحيح أن الماء الراكد يأسن ويتغير لونه و رائحته، لكن القليل من الركود مطلوب. حاول أن تصنع أنت جمال اللحظة لا أن تنتظر الغائب القادم فربما لم يحن الوقت بعد لوصوله. البعض يضع أهداف جميلة في حياته بتركيز واضح وتوجه محدد لكن يبقى جل وقته رهين تلك الأهداف فلا يعير ما تحقق من جمال خلال تلك الرحلة الاهتمام الكافي.

في اعتقادي أن الكثير مما تحقق في تاريخ البشرية من إنجاز كان نتاج طبيعي للتأمل وإعطاء الروح المزيد من الوقت لتطلق ابداعاتها. لنختبر قدرة الضوء على التغلغل لأعماقنا لابد أن نعتمد أكثر من أسلوب في التفاعل مع المواقف . واللحظة التي نعيشها نعلم يقينا أنها ستصبح تاريخ عما قريب نحن من يملك القدرة على إضافة لمسة من الجمال له فيصبح تاريخ يعيش في داخلنا بدلا من أن نعيشه نحن.

أحد البرامج الوثائقية التي أسعدني مشاهدتها على قناة BBC في الفترة الماضية لجائزة JAMEEL PRIZE للفنون التي تمنح لتقديم التراث الإسلامي من خلال الفن المعاصر. وبالتأكيد فإن عطاء الفنان يعكس قدرته على الربط بين الماضي و الحاضر في لحظة سمح لنفسه فيها أن تتأمل و من ثم تنتج و بات يلتقط الفواصل باتجاه الضوء

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي