الناس بالناس والقطة بالنِّفاس
عنوان مقالتي مَثَل من بلاد الشام. إذ يُحكى أنه كان هناك حفلة عرس، وكان الناس مشغولين في التحضير لها، فهذا يأتي بالكراسي، وذاك يجهّز القهوة، وآخر مهتم بجلب الطعام والماء، وغيره أخذ على عاتقه تحضير أجهزة الصوت... الخ.
وفي ذلك الحال كان باب الدار مفتوحاً والناس داخلون خارجون، كل واحد يحاول أن يكون جاهزاً قبل موعد وصول الضيوف. وفي أثناء ذلك كانت قطة الدار في حركة دائبة كأهل البيت، تدخل وتخرج مسرعة مثلهم، وكأنها تشاركهم فرحهم. لكن واحداً من أهل البيت، وقد لاحظ عليها تلك الحركة غير العادية، أخذ يرقبها لعله يعرف سرها. ولم يطل به الوقت حتى اكتشف أنها كانت حاملاً على وشك الوضع، وأنها كانت تفتش عن مكان هادئ آمن لكي تجلس فيه وتبدأ نِفاسَها.
ومع تلك الحركة الكثيرة لأهل البيت لم تجد المكان المناسب فأخذت تبحث مسرعة، جيئة وذهاباً. وعندها قال: الناس بالناس، والقطة بالنِّفاس. أي الناس مشغولون بأمورهم المهمة، لكن القطة مشغولة بأمر نِفاسِها. فذهب كلامه مَثَلاً يُقال لمن كان منشغلاً بأمره الخاص الصغير، بينما الناس منشغلون بأمرٍ جَلَل.
تذكرت هذا المَثَل وأنا أقرأ عن الحركة الدؤوبة لكثير من الجهات الإغاثية التي تسعى لتقديم خدماتها المتعددة للسوريين المشردين واللاجئين، لاسيما أولئك الذين أصابتهم البراميل المتفجرة فجعلتهم معاقين. وفي الوقت نفسه تسمع عن أناس يؤمّون مخيمات اللاجئين يبحثون عن الزواج من ثانية أو ثالثة أو رابعة، إذ لم يجدوا ما يساعدون به إخوانهم السوريين إلا بالزواج من بناتهم، مستغلين ظروفهم الصعبة، كي يحصلوا على زوجة دون مهر يُذكر.
وقد كنت من أوائل من كتب حول هذا الموضوع في مقالتي المنشورة هنا بعنوان: نصرة أهل الشام وخط أحمر. وقد أوضحت فيها أن طرق مساندة الشعب السوري كثيرة بَدَأَتْها المملكة بحملة لجمع التبرعات لإعانة الشعب السوري المنكوب، فمن أراد أن يؤازر إخوانه السوريين فيمكنه بذل المال، أو تقديم الطعام والكساء، أو الفرش والغطاء، أو الإسعاف والدواء. ومن نوى المساعدة فسيجد طرقاً وأساليب للمعاضدة لم تخطر على بال غيره.
أما أن يستغل ظروف الناس ليتزوج من بناتهم بثمن بخس دراهم معدودة، فليراجع قلبه، وليتق الله ربه، وليخالف شيطانه. فإن أراد دعم إخوانه المنكوبين فليبذل لهم من ماله، وليؤمّن لهم ما يليق بهم من مسكن وطعام ولباس، ثم إن أراد الزواج بعد ذلك من بناتهم فليدفع المهر الذي يُدفع لمثيلاتهن في غير وقت المحنة، وإلا فإن عمله مدخول، ولْيَخْشَ أن يُفجع يوماً ما، فليراقب الله فيما يفعل.