الإنسان بين صناعة الواقع والرضا به

الإنسان كائن مخير في كل ما يتعلق بشؤون حياته وصناعة واقعه ومستقبله وقدرته على تحقيق أعلى معدلات التنمية والرفاهية البشرية بما يملكه من مقومات التنمية، التي ترتكز بشكل أساسي على رغبته الحقيقية في تحقيقها من خلال العمل الجاد المستمر والدؤوب من خلال وضوح الرؤية والأهداف وتسخير كل الإمكانات البشرية والمادية لتحقيقها بعيدا عن أصحاب المصالح الخاصة أو الأهواء الفاسدة أو المحبطين الذين يسعون إلى وضع العراقيل في طريق كل من يرغب في البناء السليم الذي لن يتم عندما تحركه المصالح أو الأهواء الخاصة أو تتم الاستعانة على تحقيقه بمن لا يملكون أدواته. وختمت المقالة السابقة ببعض أبيات قصيدة تعكس العرف السائد عند بعض الناس من أن الظروف لا تعين على تحقيق الطموح على أساس أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، والواقع عكس ذلك، عندما تتحقق الإرادة والإدارة السليمة كما يقول مهندسهما الأمير خالد الفيصل.
والقصيدة التي ذكرتها هي:
"تجري الرياح كما تجري سفينتنا
نحن الرياح ونحن البحر والسفن
إن الذي يرتجي شيئا بهمته
يلقاه لو حاربته الإنس والجن
فاقصد إلى قمم الأشياء تدركها
تجري الرياح كما رادت لها السفن".
إن بناء الإنسان البناء السليم لا يمكن تحقيقه إلا عندما ننزع الخوف وعدم الثقة من داخله في نفسه ودينه ومجتمعه ونزرع فيه الأمل والثقة بدينه ونفسه ومجتمعه ومستقبله. ونؤكد أن الخير هو في التطور والتغير الإيجابي المنضبط بالمبادئ الإسلامية السليمة والقيم العربية الأصيلة التي يجب أن نراها في سلوكه وعمله وتعامله اليومي مع نفسه ومجتمعه ومحيطه، ولعل في قصة الرجل الذي ذكر المصطفى - عليه الصلاة والسلام - لأصحابه أنه من أهل الجنة، يقول أنس بن مالك - رضي الله عنه - كنا يوما جلوسا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة" قال: فطلع رجل من أهل الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه في يده الشمال فسلم فلما كان الغد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك فطلع ذلك الرجل على مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل مقالته أيضا فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول فلما قام النبي – صلى الله عليه وسلم - تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت قال: نعم قال أنس: كان عبد الله يحدث أنه بات معه ثلاث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعار انقلب على فراشه وذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا فلما مضت الثلاث وكدت أحتقر عمله قلت يا عبد الله: لم يكن بيني وبين والدي هجرة ولا غضب ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثلاث مرات (يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة) فاطلعت ثلاث مرات فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي بك فلم أرك تعمل كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما هو إلا ما رأيت قال: فانصرفت عنه فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي على أحد من المسلمين غشا ولا أحسده على ما أعطاه الله إياه إليه فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك هي التي لا نطيقه .
هذه المبادئ والقيم التي ربى رسول الله – عليه الصلاة والسلام - أصحابه عليها وتركها لنا من بعدهم مع التأكيد أن هذا الدين صالح لكل زمان ومكان بما صلح عليه السابقون بالعمل الصالح المنتج المحقق للعلو والرقي والمنافسة الشريفة بين الأمم من خلال الاهتمام ببناء الإنسان ودعم الكفاءات ومساعدتها لتلمس طريق النجاح الذي يحقق لها صناعة واقعها ومستقبلها بما ينعكس بشكل إيجابي على بناء الوطن والمواطن بكل الأبعاد والمقاييس بعيدا عن التمني أو أحلام اليقظة أو الفكر المرتاب في كل بناء والمشكك في كل كفاءة أو عطاء والهادم لكل إنجاز لأن البناء أصعب من الهدم ومتطلبات البناء تحتاج إلى الجد والرؤية والمثابرة والعمل الدؤوب المستمر انطلاقا من فكر باني الدولة السعودية الحديثة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - عندما جعل بيت القصيدة يقرأ كما يلي:
"نبني كما كانت أوائلنا تبني
ونفعل فوق ما فعلوا"
وللحديث بقية حول مفهومي البناء والهدم، وفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء وعربي اللسان وإسلامي المعتقد وعالمي الطموح .
وقفة تأمل:
"في اليابان تعداد سكان يتجاوز 120 مليونا في مساحة أصغر من مصر، ومع ذلك لا مجاعة ولا فقر، بل فائض اقتصادي في بلاد ليس فيها بترول ولا فحم ولا حتى خام الحديد، لكن فيها أثمن كنز .. الإنسان".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي