«حلاق المؤمنين»
أستذكر أحيانا "حلاق المؤمنين" الذي كنت أمر به يوميا في طريقي إلى المدرسة. وكان الحلاق المفضل للمشايخ. واشتهر بأنه لا يحلق لحية ولا يستقبل حليقي اللحى. وفي تلك الأيام كان العرف الجاري بين المشايخ ومن حولهم، يعتبر حليق اللحية فاسقا. والفسق وصف يطلق في العرف الخاص كمقابل للإيمان. وكان مما درسته أيام الصبا إن "كاشف الرأس" قد يلحق بالفاسق، فلا يؤم الجماعة ولا تقبل شهادته، ومثله من يأكل في الطريق، لأنه يعتبر ناقص المروءة. وسمعت قبل مدة أن بعض القضاة لا يقبل شهادة أو تزكية ممن لا يغطي رأسه.
هذه بالتأكيد مسائل فرعية وصغيرة جدا. لكنها - وكثير من أمثالها - تحولت عند بعض الناس، في بعض الأوقات على الأقل، إلى صراط مستقيم، أو ربما إلى حد فاصل بين الكفر والإيمان. وحين يمر الزمن ويستذكر الناس المعارك التي أثارتها هذه المسائل، يأسفون على الوقت الذي أنفقوه فيها، والعداوات التي اكتسبوها من ورائها، ثم يسخرون من أنفسهم أو يسخرون من زمنهم.
بعد عشرين عاما من الآن سوف نستذكر – على سبيل التلطف – عدد المحرمات التي أصبحت حلالا، مثلما نستذكر اليوم فتاوى تحريم ركوب الدراجة وأكل الروبيان والعمل في البنوك والجمارك وجوال الكاميرا وتحية العلم وكثير من أمثالها.
التوسع في التحريم ظاهرة معروفة في المجتمعات التقليدية. فهو إحدى السمات الرئيسة لثقافتها التي تتسم بميل حمائي، يتمظهر غالبا على شكل مبالغة في اصطناع خطوط دفاع عما يعتبرونه جوهريا أو ضروريا. وهذا هو السبب الذي يحملهم على إلباس التقاليد ثيابا دينية أو التعامل معها كأخلاقيات مرتبطة بالدين.
بعبارة أخرى فلسنا إزاء سلوك ديني، بل ميول اجتماعية تلبس رداء الدين. ومن هنا فليس معيبا إن يقف فقيه ليقول إنه قد تراجع عن رأي أو فتوى سابقة له، لأن علمه اتسع، أو لأن الفهم العام والعرف الاجتماعي تغير. كما أنه ليس مطالبا بالاعتذار لمن أخذوا برأيه السابق، فقد فعلوه باختيارهم، وكانوا - مثل ما هم اليوم - عقلاء ومسؤولين عن خياراتهم الخاصة.
ليست هذه مشكلة على أي حال. المشكلة هي قسر الناس على رأي أو فتوى، نعلم – إجمالا – إنها قابلة للتغيير. هذا القسر قد يكون مخصصا حين تتبناه جهة حكومية مثل الوزارات أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد يكون عاما حين يوصف معارضو ذلك الرأي بأنهم فسقة أو ملحدون أو معادون للدين، وأمثال تلك الأوصاف الفارغة.
زبدة القول إنه ليس من الحكمة قسر الناس على اتباع الفتوى، لا سيما في مواضع الاختلاف. خير للدين أن يتبع الناس تعاليمه وهم في راحة ويسر ورغبة، بدل أن يتبعوها مضطرين كارهين أو مستثقلين.