هل سلوك المصارف الدولية يعكس سياسة دولها؟
هل من قبيل المصادفة أيضا أن يصبح رئيس مجلس إدارة "إتش إس بي سي" (البريطاني) اللورد ستيفن جرين وزيرا لشؤون التجارة والاستثمار في بلاده، خصوصا أن المصرف أثناء توليه رئاسة مجلس إدارته انخرط في ممارسات أقل ما يمكن وصفها بها الإجرامية؟ وأتكلم هنا عن تقديم المصرف تغطية لتجار المخدرات في المكسيك، وتفاصيل هذه القضية تطول. كما قام فرع المصرف في دبي بعمليات غسل أموال لمصلحة إيران ودول إرهابية أخرى وفق التحقيقات المنشورة. وهل من قبيل الصدف أن يكون رئيس مجلس باركليز السابق عضو مجلس إداره (حالي) لقناة الـ "بي بي سي"، خصوصا إذا علمنا أن باركليز تواطأ في أكبر فضيحة مالية أضرت بكل مقترض ومودع على وجه الأرض؟ ناهيك عن الجرائم المالية الأخرى التي يطول سردها. الـ "بي بي سي" ترفع شعار المهنية والحيدة وفي الوقت نفسه تضرب بكل المعايير المهنية عرض الحائط، وبرامجها التي تبث ليل نهار شاهدة على هذا الواقع المنحط. تغطية "بي بي سي" للأحداث في المنطقة، خصوصا في الخليج العربي (وآخرها البرنامج الذي بثته عن القطيف والعوامية) لا يثير سوى الاشمئزاز. فهل المصارف والوسائل الإعلامية مؤسسات ربحية خدمية أم أدوات لتحقيق أغراض سياسية لا تجرؤ الدول على إعلانها؟
حين يمعن المرء في المتضرر الأكبر لممارسات المصارف الغربية الإجرامية التي تشمل غسل الأموال لمصلحة الدول الإرهابية (في مقدمتها إيران)، يجد أن دول الخليج العربي ودول المنطقة تأتي في المقدمة. فهل هذا من قبيل المصادفة أيضا؟ دول الغرب تعلن رفض سياسات الدول الإرهابية، ثم نجد أن أدواتها الاستخبارية، عفوا قصدت أدواتها الاقتصادية، تقدم خدماتها لهذه الدول بطريقة غبية مكشوفة ومفضوحة ومثيرة للسخرية تارة وللاشمئزاز تارة أخرى. وهل من قبيل المصادفة أن تقر هذه المصارف بانخراطها في أعمال إجرامية، ولا نجد أيا من القائمين عليها يدخلون السجن أو حتى يقدمون للمحاكمة وفي بعض الحالات لا يجبرون على ترك مناصبهم، كما حدث في حاله "ستاندارد تشارترد" البريطاني الذي ما زال أعضاء مجلس إدارته وأعضاء إدارته التنفيذية في مناصبهم وكأن شيئا لم يحدث. حتى الإعلام الرسمي لدول هذه المصارف ما زال يصر على أن الولايات المتحده تمارس الظلم على مصارف دولها (المستضعفة المسكينة). شخصيا لا أعتقد أن كل هذا من قبيل المصادفة المحضة - وهذا رأيي الشخصي - لكني في الوقت نفسه لا أفهم لماذا لا تمارس الدول المتضررة من ممارسات هذه المصارف سيادتها كما فعلت الولايات المتحده. ففرض الغرامات على من يخالف قوانين الدول يعتبر الحد الأدنى من الممارسة السيادية، كما أن سحب تراخيص العمل وتقديم المخالفين للعدالة أحد أهم صور حفظ هيبة الدول وردع من يهدد أمنها.
إن سلسلة التحقيقات التي أجرتها الولايات المتحدة وما انكشف عنها من ممارسات دنيئة انخرط فيها عدد من المصارف الدولية تأتي مؤشرا مهما على أن ممارسات هذه المصارف كانت بتغطية سياسية من دولها، خصوصا أن أيا من مسؤولي هذه المصارف لم يقدم لا للمحاكمة أو العقاب. كما تأتي نتائج هذه التحقيقات تأكيدا على أن ممارسة الرقابة الصارمة من الجهات الرقابية في الدول مهمة للجم هذه المصارف وغيرها من الشركات عن ممارسة أي دور خارج دورها المعلن والمصرح به. لا بد من أن تكون نتائج التحقيقات التي قامت بها الجهات الرقابية المالية في الولايات المتحده نموذجا تحتذي به كل دول العالم. فالمجرمون وذوو المصالح الشريرة لا يفهمون سوى لغة القوة والصرامة في تحقيق العدالة.