السعودية والمد الإيراني
إن الخلاف السعودي الإيراني، وكذلك خلاف إيران مع العالم الإسلامي ليس خلافا سياسيا أو دينيا، وإنما خلاف يعود إلى عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما أخضع الدولة الفارسية للإسلام، وهو ما لم يقبله بعض أهلها، وسبق ذكر ذلك في المقالات السابقة، وهنا يجب التفريق بين النظرة الإيرانية الفارسية المجوسية للمذهب الشيعي واستغلاله من أجل تحقيق أهدافها، وعلى رأسها التفريق بين المسلمين باختلاف مذاهبهم وبين الشيعة العرب الموالين لله ورسوله - عليه الصلاة والسلام - ولا يذكرون أصحابه أو زوجاته بسوء - رضي الله عنهم وأرضاهم - وهو ما سيتم الحديث عنه في المقال القادم - إن شاء الله، علما أن كتب التاريخ فصلت فيه وأوضحت كثيرا من الأمور التي يجب الرجوع إليها لوضع السبب الحقيقي للخلاف، وإيران جعلت من الدين الإسلامي المحرف مطية ووسيلة لاستغلاله بالانتشار والانتماء وفي الوقت نفسه محاربة من يعتقد أنه خلاف ديني على أساس أنه مذهب إسلامي، والاختلاف في المذاهب أمر محمود، وهو ما يذهب إليه بعض الباحثين بحسن نية أو ربما غير ذلك، ولعل المتابع يلاحظ خلال السنوات الماضية كيف زجت إيران بالاختلاف المذهبي ومحاربة من يحاول تمددها وانتشارها على الأساس المذهبي بين المسلمين، أما مع الدول غير الإسلامية فإنهم يستخدمون طريقا آخر، كإبراز الدين الإسلامي السني على أساس أنه دين الإرهاب ويركزون في كل اجتماعاتهم المغلقة مع الدول غير الإسلامية على هذا القول، ويقدمون الشواهد التي تقول إنه لا يذكر أن شيعيا واحدا كان إرهابيا وقام بتفجير نفسه، وإن هذا العمل الإرهابي من تفجير وتخريب ينطلق من أن المذهب السني هو الذي يدعو له ويحرض عليه، مع أن إيران، والكثير يعرف ذلك، تعتبر المحرض والممول الرئيس لكل أعمال الإرهاب، ومنها على سبيل المثال جيش داعش في سورية، وقبلها تمويل واحتضان مجموعات القاعدة، ومع تصديق إيران لكذبتها وموافقتها لأهواء الكارهين للدين الإسلامي السليم بدأ التركيز على المملكة العربية السعودية بشكل مكثف من خلال الادعاء أن السعودية هي الراعية للإرهاب وإنها الحاضنة للمذهب الوهابي الإرهابي، وتم العمل على تعزيز ذلك من خلال القنوات الفضائية الممولة بأموال إيرانية، وكذلك من خلال إنشاء مواقع للتواصل الاجتماعي تنطلق من إيران أو بتمويل إيراني لنشر الشائعات، ويذكر المرصد البريطاني أنها تجاوزت الـ 30 ألف موقع، وربما مع الأسف الشديد ساعدهم في ذلك بعض التصرفات الفردية من بعض أهل السنة، وكذلك السعوديون ممن جعلوا من هذه الأكذوبة حقيقة لأن العقل الغربي يؤمن ويصدق الوقائع في ظل غياب الصورة الحقيقية عنه، وكذلك يجد في التوجهات الإيرانية العدائية لأهل الإسلام الحقيقيين وسيلة لتحقيق أهدافه في ظل دعم اللوبي الصهيوني لهذا العداء وضمن الأجندة المعدة لاستغلال مثل هذه الفجوات السلوكية.
إن المملكة العربية السعودية من خلال هذا العداء الإيراني المستمر والمعتمد على الاختلاف المذهبي والمخفي خلفه مطامع إيرانية توسعية يجب عدم التهاون بها والتقليل من شأنها لأنها أمور يخطط لها من عشرات السنين، وليست وليدة الساعة، وفي هذا المجال فقد أوضح بعض المتحدثين من الدول الخليجية على هامش منتدى التنمية المستدامة ولجنة الأعداد لمخرجات أجندة القرن الواحد والعشرين الأثر السلبي للثورة الإيرانية التي عملت على تقسيم المجتمع الخليجي إلى مذاهب وعملت على تعزيز وتأكيد الهوية والانتماء المذهبي وجعلها أساس الانتماء، فعلى سبيل المثال ذكر أحد الإخوة من دولة البحرين أن مملكة البحرين عاشت في انسجام وترابط أسري لم يكن موضوع المذهبية ذا شأن بالنسبة لهم، وكان البحرينيون يتزوجون بغض النظر عن المذهب ولم يعرف أو يذكر أن هناك اختلافا واضحا بين أهل البحرين، ولكن بعد الثورة الإيرانية بدأ إبراز الاختلاف المذهبي والادعاء بالفوارق المذهبية والحديث عن ظلم أتباع المذهب الشيعي من أهل البحرين ثم بدأت رحلات طلب العلم المكثف في الحوزات الإيرانية وتدريب بعض أبناء البحرين على حمل السلاح والتدريب الميداني على أعمال القتال والشغب، وغيرها من الأمور التي تعزز من الفجوة المجتمعية بين أبناء البلد الواحد، وذكر أن من المؤلم أن الحكومة لم تلتفت أو تنتبه لهذا التغير على أساس أنه حرية شخصية للمواطنين، ثم بدأت الحكومة الإيرانية تأخذ الخمس من أتباعها في دولة البحرين وغيرها من دول الخليج وخلال السنوات الماضية أصبح موضوع الانتماء المذهبي هو نقطة الخلاف الأساسية، واليوم الوضع في البحرين لم يعد يخفى على أحد، وفي السياق نفسه ذكر أحد الإخوة من دولة الكويت معاناة أهل الكويت مع الثورة الإيرانية، وكيف أنها عملت خلال السنوات الماضية على تغيير التركيبة الكويتية وتعزيز الانقسام الكويتي الطائفي، حتى وصل الأمر كما ذكر إلى مؤامرات على قلب نظام الحكم من داخل الأسرة الحاكمة لولا لطف الله، وهو أمر كما ذكر لم يعد خافيا على أحد، والحال في بقية دول الخليج الأخرى والعربية والإسلامية، ولعل وضع لبنان والعراق وسورية اليوم خير دليل على الأثر السلبي للتدخل الإيراني في شؤونهم المحلية، ومما ذكره بعض المتحدثين أن إيران لا ترى الشيعة العرب أصحاب حق، وإنما تعمل على استخدام بعضهم لتحقيق أهدافها ثم تصفيهم كما عملت وتعمل مع أهلهم من السنة لأن هدفها هو دعم الوجود الفارسي المجوسي، وهنا يجب أن نعيد ترتيب بيتنا من الداخل لتعزيز الترابط الأسري داخل الأسرة الكبيرة المملكة العربية السعودية ونحدد أولوياتنا وفقا للصورة التي يجب أن نكون عليها في المستقبل، وهو موضوع المقال القادم - إن شاء الله، وهنا أوضح أنني لم أقل إن أصل الشيعة يهود، إنما تعرضت فقط لموقف حصل بين علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ وعبد الله بن سبأ لا أكثر، فنحن والشيعة إخوة يجمعنا نسيج واحد في وطننا السعودي الكبير، ونقدر مواقف عقلائهم، والدولة تأخذ بيد المتطرفين والمخربين منهم والموالين لإيران علهم يعودون إلى رشدهم وإلا فإن أحكام القضاء ستأخذ مجراها فيهم، وسنقف صفا واحدا ضد من يحاول منهم وغيرهم المساس بأمننا واستقرارنا. وفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء وعربي اللسان وإسلامي المعتقد وعالمي الطموح.
وقفة تأمل:
"فلا تصحب أخا السوء وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى حكيما حين آخاه
يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه
وفي الناس من الناس مقاييس وأشباه
وفي العين غنى للمرء أن تنطق أفواه
وفي القلب على القلب دليل حين يلقاه".