1000 محتال يعملون في مصرف واحد
ما أُعلن عنه من تسليم مصرف كريدي سويس أسماء ألف موظف ومستشار قاموا بعمليات معقدة لإخفاء أموال عملائه عن الحكومة الأمريكية بغرض التهرب الضريبي يكشف بدرجة عالية حجم مأساة الأزمة الأخلاقية التي يعانيها القطاع المصرفي السويسري. إعلان الأسماء يأتي كأحد بنود الاتفاقية التي أعقبت اعتراف مصرف كريدي سويس بجريمة مساعدة المودعين الأمريكيين على التهرب من مصلحة الضرائب. وإذا كان عدد الموظفين والمستشارين الذين ارتكبوا هذا العمل الذي يعد انتهاكاً لسيادة دولة المودعين، فلنا أن نتخيل عدد العملاء الذين طلبوا هذه الخدمة اللاقانونية وغير الأخلاقية. الجدير بالذكر هنا أن على "كريدي سويس" أن يقدم شرحا مفصلا عن كيفية قيام هؤلاء المصرفيين المجرمين بهذه العمليات. وهذا في حد ذاته سيكشف مزيداً من الأسرار، كما ستشكل هذه الشروحات التفصيلية نقطة مهمة لأي تحقيق مستقبلي.
من المتوقع أن تكشف الشروحات التفصيلية عن الثغرات القانونية التي استغلها هؤلاء المصرفيون للقيام بعملياتهم المجرمة، كما ستكشف عن الكثير من عمليات وطرق تضليل السلطات، وقد تكشف كذلك عن أسرار كثيرة في كيفية غسل الأموال وتخبئتها. والحقيقة أن المجرمين نوعان: الأول، من الغباء ما يجعلهم يعتقدون أن بإمكانهم الفرار بجريمتهم من السلطات، والآخر، يعلم أنه سيسقط عاجلا أو آجلا، لكنه يصر على جرمه لوضاعة نفسه. والتاريخ يشهد أن المصارف السويسرية من النوع الأول، فهي التي قامت بإخفاء الأموال عن الحكومات لأكثر من 250 سنة، وبذلك تكدّست لديها ودائع عصابات نهب الدول وعصابات تهريب المخدرات وغيرهم من حثالة البشر.
ألف مصرفي محتال في مصرف واحد فقط، فكم يا هل تُرى عدد المحتالين في المصارف السويسرية مجتمعة؟ وهل يصح الادعاء بأن إدارات المصارف العليا لم تكن على اطلاع بهذه الممارسات؟ هل يُعقل ألا تكون إدارة مصرف كريدي سويس على اطلاع بممارسات ألف من موظفيها ومستشاريها؟ إذا كان الجواب "نعم"، فهذا يعني أن الإدارة العليا في "كريدي سويس" أفشل إدارة في تاريخ المصارف، فأين كانت إدارة الالتزام في هذا المصرف، وأين كانت الإدارة القانونية وإدارة المراجعة الداخلية ولجان المصرف الرقابية؟ هل كانت إدارات وهمية، أم هل هي إدارات تبرير و"ترقيع" و"تسليك"؟
إن تسليم الولايات المتحدة قائمة من ألف مصرفي ومستشار ينتمون إلى "كريدي سويس" متورطين في القيام بعمليات مالية معقدة بغرض التهرب الضريبي، مع الشروحات التفصيلية التي توضح كيفية قيامهم بهذه العمليات نقطة مهمة في تاريخ مكافحة الجرائم المالية، كما من المتوقع أن تؤدي هذه السابقة المصرفية إلى الكشف عن مزيد من المهازل التي استسهل بعض المصرفيين القيام بها لجلب الودائع وتعظيم الأرباح. لا توجد جريمة كاملة الأركان، ولا يمكن للخطأ أن يصمد مقابل الإصلاح. إن التحقيقات التي تقوم بها سلطات المال في الولايات المتحدة ستعيد تشكيل الصناعة المصرفية في العالم، كما تعد هذه التحقيقات ضربة موفقة ضد مَن استسهل كسر قوانين الدول وانتهاك سيادتها، وعلى دول العالم أن تحذو حذو الولايات المتحدة في ذلك.