دعم «الكهرباء» .. واقع يجب تغييره
لا يمكن لصناعة أن تستمر دون القدرة على التشغيل الكفء، وبمعزل عن أشكال الدعم المادي كافة. وبالإمكان فهم الدعم المادي في السنوات الأولى من بدء قطاع معين أو صناعة بذاتها، ولكن من الصعوبة إدراك وفهم استمرار الدعم سنوات طويلة، يصبح معها الدعم عالة على الصناعة ذاتها، عالة تقف في وجه قدرتها على الإدارة الكفؤة، والاستغلال الأمثل للموارد.
الأرقام التي نشرت في تقرير هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج الأخير سلطت الضوء على الواقع المخيف الذي تعانيه شركة الكهرباء، واقع سيكون له تأثير سلبي على المدى المتوسط والبعيد في قدرة الشركة على إنتاج الكهرباء، واقع لا بد من تغييره لتكون الشركة قادرة على الإنتاج بمعزل تام عن كل أشكال الدعم، الذي يعتبر بطبيعة الحال هدرا. ومهما كانت صعوبة العمل على التشغيل بمعزل تام عن الدعم، فإن نتائج الاستمرار في (الإدمان) على الدعم ستكون أصعب وذات تأثير سلبي أخطر على صناعة الكهرباء وعلى الاستغلال الأمثل لمواردنا الطبيعية.
تقرير هيئة الكهرباء يشير إلى أن الوقود المستخدم في إنتاج الكهرباء هو: الغاز الطبيعي 46 في المائة، والزيت الخام 29 في المائة، والديزل 15 في المائة، وزيت الوقود الثقيل 10 في المائة.
ويوضح التقرير أيضا أن متوسط تكاليف الشركة لإنتاج الكهرباء لعام 2013 بلغت 15.2 هللة (للكيلو واط/ ساعة)، إضافة إلى أن الدولة قدمت دعما قدره 150 مليار ريال، ولولا هذا الدعم لارتفعت تكلفة إنتاج الكيلو واط إلى نحو 80 هللة.
والحقيقة أن الدعم كان ضروريا في مراحل الشركة الأولى، ولكن ولاستمرار التقدم في قطاع الكهرباء لا بد أن يرفع هذا الدعم، ومن دون رفع الدعم لن تصل الشركة إلى مرحلة الاستغلال الأمثل والتشغيل الكفء.
الدعم المقدم لشركة الكهرباء أدى إلى هدر في مصادر الطاقة، وإلى إسراف محسوس نعيشه جميعا في استخدام الكهرباء، فضلا عن أنه يشكل إحدى أهم عقبات التطور التقني في تقنية التبريد الذي يشير المنطق إلى أنه يفترض أن نكون الرواد فيه. حتى ثقافة البناء المدني والمعماري لمدننا ومساكننا تأثرت سلبا نتيجة للاستمرار في هذا الدعم. الدعم كان ضروريا في بداية انطلاق صناعة الكهرباء، ولكن الاستمرار فيه بهذه الطريقة لن يؤدي إلى خير على المدى البعيد. هل يعقل أن يكون الحد الأعلى لتعرفة الكهرباء عندنا أقل من الحد الثابت في معظم دول العالم، الفقيرة والغنية بمواردها الطبيعية على حد سواء. أليس من الأجدر والأولى توجيه الـ 150 مليار ريال (أو جزء منها على الأقل) إلى تطوير تقنيات التبريد التي ينبغي أن نكون الرواد فيها.
التقرير يشير إلى أن 36 في المائة من إنتاج الكهرباء يذهب للقطاعين الصناعي والتجاري. والسؤال هنا: هل نحن في حاجة إلى قطاعين تجاري وصناعي لا يمكن لهما العمل إلا بالدعم؟ الغرض من الصناعة والتجارة المنافسة وخلق الوظائف، وطالما كان هناك دعم فلن نتمكن من المنافسة، أما التوظيف فواقع الحال يعلمه الجميع، ولست بصدد التطرق إليه.
أكثر من 40 عاما من الدعم لقطاعنا الصناعي، فهل ما زال هذا القطاع بحاجه إلى مزيد من الدعم، وكم من الوقت يريد قطاعانا الصناعي والتجاري للاكتفاء من الدعم الذي يأتي على حساب مواردنا الطبيعية وكفاءة تشغيل منشآتنا.
لا بد من جدول زمني صارم لرفع أشكال الدعم الحكومي كافة عن شركة الكهرباء، ومن دون ذلك لن نتمكن من تحقيق كفاءة تشغيلية مثلى تمكننا من الاستغلال الأمثل لمواردنا الطبيعية والمالية وتوجيهها التوجيه الأمثل الذي يقدم الأفضل لبلادنا. كما لا بد من توجيه جزء من الدعم الذي يقدم للشركة لتطوير تقنية التبريد والتحلية على حد سواء. فنحن أكثر دولة في العالم بحاجة لهذه التقنيات، وانتظار الأمم الأخرى لتطور وتنتج ما نحتاج إليه، ينبغي ألا يكون سيد الموقف. بوضع جدول زمني صارم لرفع الدعم الحكومي عن شركة الكهرباء ستتغير أمور كثيرة نحو الأفضل، وبما يحقق الكفاءة. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "لا تسرف ولو كنت على نهر جار".