البلديات والمنشآت الصغيرة

في البلدان المتقدمة، تلعب البلديات دورا مهما ومحوريا في تنمية الاقتصاديات المحلية في المدن الصغيرة والمقاطعات، ويلعب رئيس كل بلدية دور وزير الاقتصاد المحلي للمدينة، فمن أهم أولوياته تنمية المنشآت الصغيرة، خصوصا التي تضيف قيمة للاقتصاد المحلي وفي تقليص نسب البطالة عبر توظيف الكوادر المحلية، كما أن البلديات تلعب دورا مهما عبر تنمية المنشآت المحلية الصغيرة عبر حمايتها من الشركات الكبرى، ولتضمن بقاء السيولة النقدية داخل المدينة أو المقاطعة لأطول فترة ممكنة، وعادة ما تمنح البلديات المحلية تسهيلات لهذه المنشآت لدعمها في البقاء والمنافسة. وأتذكر جيداً أن افتتاح فرع ثان لسلسلة الوولمارت Wal Mart ــــ الذي يعتبر أكبر متجر تجزئة في العالم ــــ في المدينة التي كنت أقيم بها في الولايات المتحدة، استغرق أكثر من أربعة أعوام، لأن بلدية المدينة كانت تريد حماية المتاجر المحلية، وعندما وافقت البلدية، دفع الوولمارت رسوماً إضافية لدعم مركز تنمية المنشآت الصغيرة في المدينة. ومن أهمية دور البلديات في بعض البلدان، فإن تعيين رئيس البلدية يتم بالانتخاب وليس بالتعيين.
وإذا ما قارنا دور البلديات المحلية لكل محافظة ومدينة في المملكة سيواجهنا كم كبير من الإحباط والنفور، لأننا لا نرى نتائج إيجابية لا على مستوى خدمات الأفراد ولا على مستوى الخدمات المقدمة للمنشآت الصغيرة، ولا أفتري إذا قلت إن دور البلديات الحالي دور سلبي تجاه الجميع أفراداً و مؤسسات. قبل أيام، قال لي أحد الأصدقاء إن رئيس بلدية مدينته قال له إن دور البلدية ليس دعم المنشآت الصغيرة، بل إدارة خدمات المدينة فقط! وهنا أسأل: هل قام أي رئيس بلدية يوما باستطلاع رأي لسكان مدينته لقياس مدى رضاهم عن خدمات البلدية؟ وإذا ما تم ذلك، هل قام بإصلاح الأخطاء؟
إن المواطن يا سادة ــــ سواء كان فردا أو صاحب منشأة ــــ له الحق عليكم بخدمته بل وبتسهيل حاجته، لا التعقيد و التسويف، ولك أن تسأل أيها القارئ أي مواطن مر بجانبك عن مدى رضاه عن بلدية مدينته لتسمع المآسي والقصص العجيبة. إن البلديات وجدت لخدمة المواطن وليس لتطفيشه، فترخيص بناء المنازل يستغرق شهورا، وترخيص المنشآت الصغيرة قد يستغرق عاماً كاملا، دون أي مراعاة للوقت والتكلفة التي تهدر دون مقابل أو نتيجة.
أعتقد أن الوقت حان لإعادة النظر في دور البلديات، ففي السابق كانت البلديات تتبع لوزارة الداخلية، لما لها من أهمية كبيرة، ومع التطور الإداري الذي مرت به المملكة، استقلت البلديات بوزارة مستقلة، والمنطقي أن يتطور عمل البلديات ليواكب التطور العالمي، لا أن تكون مراجعة البلدية عبارة عن مهمة صعبة وكئيبة، وفي أحيان كثيرة تكون عبارة عن دائرة مغلقة من الإجراءات التي تطفش المراجع ليلجأ إلى أحد مكاتب التخليص ليتخلص من هذا الكم اللامنطقي من الإجراءات. إذا كان بيت داء الجسم المعدة، فبيت داء المدن الخدمي والاقتصاي هو البلدية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي