تباين الرغبات واختلاف التوجهات .. معطل لعمل المرأة

تشير الأرقام والإحصائيات إلى أن هناك زيادة مطردة في معدلات البطالة النسائية على مستوى المملكة، حيث بلغ معدل البطالة بين النساء خلال الربع الثالث من العام الماضي 33.2 في المائة مقارنة بمعدل 28.4 في المائة بالربع نفسه من عام 2009.
وقد أكدت البيانات الصادرة عن البرنامج الوطني لإعانة الباحثين عن عمل "حافز" على استفحال مشكلة البطالة وانتشارها بين النساء في المملكة، حيث كشفت تلك البيانات أن النسبة العظمى من المواطنين من الجنسين الذين يعانون من صعوبة الحصول على عمل هن من النساء، إذ بلغ عدد الباحثات عن عمل في 22 من شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي (1091320) من إجمالي عدد الباحثين عن عمل من الجنسين، واللاتي يمثلن نسبة 77 في المائة.
ونتيجة لضيق فرص العمل المتاحة أمام المرأة في الماضي في سوق العمل، توجه معظمهن للانخراط في مجال التعليم، إذ تجاوزت نسبة النساء اللاتي يعملن في قطاع التعليم 84 في المائة، الأمر الذي تسبب في حدوث حالة من التخمة والإشباع بالقطاع ولربما تسبب في حدوث نوع من أنواع البطالة بالقطاع، وبالتحديد ما يعرف مصطلحاً بالبطالة المقنعة.
الحكومة السعودية تنبهت لمشكلة انتشار البطالة بين النساء في المملكة، وتعاملت معها من خلال وزارة العمل بحزم وإصرار، بإصدارها للعديد من القرارات والتنظيمات والتشريعات المنظمة لعمل المرأة في المملكة بما لا يتعارض بطبيعة الحال، مع الشريعة الإسلامية وما تفرضه العادات والتقاليد، معتبرة بذلك أن عمل المرأة أصبح مطلبا وضرورة اقتصادية ملحة تفرضها الظروف والمتغيرات الحياتية والمعيشية لعدد كبير من النساء السعوديات كالأرامل والمطلقات، وليس نوعا من أنواع الترف الاجتماعي، ولاسيما أن المرأة تمثل نصف تركيبة المجتمع - 99.49 في المائة - السعودي، وأثبتت كفاءتها العلمية والعملية في العديد من ميادين ومجالات الحياة.
وبهدف تفعيل مشاركة المرأة في سوق العمل، اتخذت وزارة العمل العديد من التدابير وأصدرت العديد من الأنظمة والتشريعات المنظمة لعمل المرأة، بما في ذلك إعداد استراتيجية لمعالجة أبرز التحديات التي تواجه توسيع مجالات عمل المرأة في السعودية، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، تغيير النظرة المجتمعية السلبية لعمل المرأة، وطول ساعات العمل، والنقل والمواصلات وغيرها. ومن بين النقاط المهمة، التي ركزت عليها الاستراتيجية لمعالجة تحديات عمل المرأة، تهيئة المناخ المناسب لعمل المرأة من خلال سن الأنظمة واللوائح التي تساعد على قيام المرأة بدورها التنموي المناط بها في الاقتصاد، كما ابتكرت الوزارة وصممت عددا من برامج العمل التي تساعد على تحقيق التوازن المطلوب بين متطلبات عمل المرأة واحتياجاتها المنزلية والأسرية، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ابتكار آليات للعمل الجزئي والعمل عن بعد وبرامج الأسر المنتجة. وبهدف دعم استراتيجية وزارة العمل لتوسيع مجالات عمل المرأة في سوق العمل، اعتمدت الوزارة عددا من برامج التوظيف المباشرة، التي من بينها، تنظيم عمل المرأة في محال بيع المستلزمات النسائية، وتوطين محال بيع التجزئة في المراكز التجارية المغلقة، وسعودة وتأنيث الوظائف الصناعية المناسبة للمرأة. كما اعتمدت أيضاً العديد من البرامج والخدمات المساندة لدعم عمل المرأة، التي من بينها، برامج مخصصة لتوعية المجتمع بأهمية عمل المرأة، وإصدار دليل إرشادي باشتراطات عمل المرأة في القطاع الخاص، وبرنامج للتوسع في إنشاء مراكز لضيافات الأطفال، وبرنامج لإنشاء شبكة مواصلات للمرأة العاملة والأشخاص من ذوي الإعاقة.
وقد أثمرت جهود وزارة العمل الرامية إلى توسيع مجالات عمل المرأة في سوق العمل إلى تحقيق نتائج جيدة خلال فترة وجيزة من الزمن، حيث تمكنت تلك الجهود من إحداث 405594 وظيفة جديدة في القطاع الخاص خلال الفترة 2009-2013، إذ كان عدد العاملات في القطاع الخاص في عام 2009 (48406) عاملات وارتفع ليصل إلى (454000) عاملة في عام 2013.
ولكن على الرغم من تلك الإنجازات الطموحة لوزارة العمل، التي تحققت على عدة مراحل وبشكل متدرج ومدروس، إلا أنها وُوجهت بمقاومة شديدة من قبل عدد من الجهات والمؤسسات المحلية، باعتبارها من وجهة نظرهم تُخرج المرأة من هويتها الإسلامية وتفتح المجال أمام اختلاطها بالرجال بأماكن العمل، على الرغم من أن وزارة العمل وفي قراراتها كافة ألزمت جميع الأماكن والمحال الموظفة للمرأة بضرورة الالتزام بالضوابط الشرعية والاشتراطات المنصوص عليها في قرارات التوظيف، وفرضت في حالة مخالفتها العديد من العقوبات المالية وغير المالية.
ومن بين أوجه المقاومة التي واجهتها جهود توسيع مجالات عمل المرأة في سوق العمل، تذمر وتضجر بعض أصحاب الأعمال المعنيين بتأنيث المحال النسائية بتسببها في تكبدهم لخسائر مالية، نتيجة لعدم منحهم من وجهة نظرهم الفترة الكافية للبحث عن كفاءات مدربة، ولاسيما أن هناك شكوى عامة بعدم كفاية التدريب والتأهيل للمرأة لأن تعمل في سوق العمل وبالذات في مجال أعمال التجزئة، التي تتطلب العمل لساعات طويلة، ولمهارات تسويقية معينة لا تتوافر في العاملات السعوديات.
إن تباين وجهات النظر بين وزارة العمل وأصحاب الأعمال بما في ذلك بعض من فئات المجتمع ستحد من قدرة وزارة العمل في توسيع مجالات عمل المرأة وتفعيل مساهمتها في التنمية الاقتصادية التي تعيشها المملكة، ما يتطلب من وزارة العمل بذل المزيد من الجهود المرتبطة بالتوعية المجتمعية بأهمية عمل المرأة واعتباره ضرورة اقتصادية ملحة لخدمة أغراض التنمية وليس من باب الترف الاجتماعي كما يعتقد البعض، طالما أن هناك تطبيقا متدرجا ومدروسا لقرارات التأنيث والتوظيف، ويتم إشراك الأطراف أصحاب العلاقة في اتخاذها، وبمقتضاها يتم الموازنة بين متطلبات العمل والالتزامات العائلية والأسرية الأخرى للمرأة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي