الشفافية لا تكفي يا مؤسسة النقد!
قامت مؤسسة النقد من خلال محافظها الدكتور فهد المبارك بعدد من الخطوات التطويرية الملموسة والواضحة للعيان في قطاع الصيرفة وكذلك التأمين، وخاصة ما يمس المستهلكين بحرصه على حماية حقوقهم. ويكون ذلك مكملاً لما بدأه المسؤولون السابقون في تحقيق توجه القيادة العليا بتنفيذ أفضل ممارسة على المواطنين والمقيمين في هذا البلد المعطاء، وبذلك ينطبق على الدكتور فهد قول خير خلف لخير سلف. والمطلع على سيرة الدكتور فهد سيجد أن هذه النتائج الإيجابية غير مستغربة مقابل ما يحمله من خبرات علمية وعملية.
ولعل آخر ما تداولته الصحف هذه الأيام هو موضوع تحديث ضوابط التمويل الاستهلاكي، الذي أعلنت عنه مؤسسة النقد قبل شهرين من أجل التطبيق وفي موعد أقصاه 1435/11/21هـ، وكان أبرز هذه الضوابط المحددة هو الشفافية والإفصاح، معدل النسبة السنوي، معايير السداد المبكر، الرسوم والتكاليف الإدارية، وأخيرا قواعد ومعايير التعامل مع المستفيد.
وتعد هذه الضوابط من الناحية النظرية تطورا ملحوظا وخطوة كبيرة لحفظ حقوق العملاء. ولكن في طرحي لهذا المقال أرجو من مؤسسة النقد الحرص ــ كما هو مأمول ــ على تكثيف الرقابة على المصارف من أجل التأكد من تحقيق أهداف هذه الضوابط، والتأكد من عدم تجاوز "بعض" المصارف هذه الضوابط لتحقيق مصالحها الذاتية. فلا فائدة سوف يجنيها العميل إذا استخدم بعض المصارف طاقمه القانوني لإيجاد الثغرات، واستخدم بذلك وسائل قانونية ظاهرها يختلف عن باطنها من أجل تحصيل أكبر منفعة من العميل. وبالمثال يتضح المقال، فهذه أمثلة حقيقية سمعتها من عملاء في استشاراتهم القانونية، وقمت بنفسي بالتجربة للتأكد من هذه الممارسات.
المثال الأول: يقوم بعض المصارف (قمت بسؤال أربعة مصارف محلية، جميعها قامت بهذا التصرف) عند الاتفاق على قيمة عقد التمويل بإعداد الأوراق اللازمة لهذا العقد وهو يتفق مع الأنظمة ولا اعتراض عليه، لكن يضاف ضمن هذا العقد طلب توقيع (سند لأمر بكامل مبلغ عقد التمويل)، وكما هو معروف فإن سند الأمر أحد أنواع الأوراق التجارية الذي يتعهد محرره (العميل) بدفع مبلغ معين (قيمة القرض مع فائدته) في تاريخ محدد (يكون حال الأداء بمجرد التقديم أو الاطلاع) لإذن مستفيد معين (المصرف). وعند توقيع العميل هذا السند فهو لا يعرف أنه حمل ذمته قيمة عقد التمويل (القرض مع فائدته)، إضافة إلى قيمة الورقة التجارية (السند لأمر)، فلو كان المبلغ الواجب السداد مثلا نصف مليون ريال، فإنه مع هذه الممارسة وجب على العميل سداد مبلغ مليون ريال للمصرف بعد إضافة قيمة سند الأمر، أي أن القيمة مضاعفة كعقاب لتعثر العميل في السداد، وبذلك يحق للمصرف الضغط على العميل بسداد دين عقد التمويل.
ولا شك أن المصارف تهدف بهذا الإجراء لحفظ حقوقها فقط والضغط على العملاء وليس التكسب، فلا مجال لقبول هذه الممارسات أمام القضاء بصفة عامة. ولكن من ناحية إجراءات التقاضي في مثالنا هذا، فإن المصرف له الحق في مطالبة المتعثرين من خلال عدد من اللجان شبه القضائية في الوقت نفسه، الأولى هي لجنة تسوية المنازعات المصرفية وذلك في موضوع إخلال العميل بتنفيذ بنود عقد التمويل. والجهة الثانية هي مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية بوزارة التجارة، وذلك في موضوع طلب التنفيذ على ورقة تجارية (سند الأمر)، وتوجد جهة جديدة وهي قاضي التنفيذ من أجل سرعة التنفيذ لتحصيل مبلغ الورقة التجارية، لكن لم يتم التوسع فيها لحداثة النظام.
وخلاصة القول، إن المصرف قام بالتعسف في استعمال حقه في تحصيل المبالغ التي بذمة العميل، وأجبر العميل على تحميل ذمته مبالغ مضاعفة دون وجه حق أو توضيح لنوايا المصارف فيها، وهذه بحد ذاتها مصيبة تخالف مبدأ الشفافية، والطامة الكبرى هي عند قيامي بالاتصال على هاتف مركز الاتصال بمؤسسة النقد، المختص بتلقي الشكاوى من أجل شرح هذه المشكلة، فتلقيت إجابة إحدى الموظفات بأن هذا الإجراء طبيعي من أجل حفظ حقوق المصرف وعدم ضياعها من قبل بعض العملاء! فقمت بعدها بالاتصال على أحد الزملاء من المستشارين القانونيين الذين يعملون في المؤسسة، فذكر أنه على علم بهذه الممارسات من بعض المصارف، وأنه يؤيدني من ناحية المبدأ بعدم قانونية هذا الإجراء، ولكن هذه هي الوسيلة الوحيدة لحفظ حقوق المصارف من الضياع. ولا أشكك هنا في نية هذه المصارف في ممارسة المخالفة وأخذ ما ليس حقا لها، ولكن الأسلوب المستخدم في حفظ الحق يعتبر غير قانوني، ويجب على مؤسسة النقد تكثيف التفتيش من أجل رفع هذه الممارسات وحماية العملاء.
والمثال الثاني، الذي أعتقد أن الكثير قد لمسوه، فكما هو معلوم أن كل مصرف يقدم أفضل العروض لكسب العميل في عقد التمويل (القرض)، وهي طريقة صحية في المنافسة لمصلحة العميل. وعند اختيار العميل المصرف المناسب، فإنه مجبر على أخذ ورقة "إخلاء طرف" من المصرف الذي ينزل فيه راتب العميل الشهري، وقد (شددت) مؤسسة النقد على أن تتم عملية إصدار هذه الورقة خلال عشرة أيام، لكن بعض المصارف يتجاوز هذه التعليمات بادعاء وجود قيود أو ارتباط مالي على العميل للمصرف، وأبسط ذريعه أن يذكر المصرف أنه صدرت للعميل بطاقة ائتمان حتى وإن لم يتم تسلمها، وأن الوقت المستغرق من أجل إلغائها وإسقاطها من النظام يحتاج قرابة الشهر أو أكثر، وبذلك يضطر العميل إلى الرضا بنسبة الفائدة الأعلى نتيجة قهر الحاجة وضيق الوقت.
أقدم للمحافظ مثالين فقط، أنا مسؤول عنهما ولدي جميع الأدلة لإثباتهما، وبالإمكان ذكر أمثلة أكثر من ذلك نتيجة ما يعرض علي عند طلب الاستشارات القانونية من الناس. وهي لا شك أنها وسائل تخالف الأنظمة عند إثباتها، والمصارف متحصنة بطاقم من القانونيين لإضفاء الشرعية على هذه التصرفات، والضحية هو العميل المغلوب على أمره. وختاماً فإني أقدر للمحافظ الآثار الإيجابية الواضحة خلال السنوات الثلاث الماضية، وآخرها تلك الضوابط الإيجابية ولكن إذا لم تقترن برقابة صارمة وذكية على المصارف، فلا نفع لها وستبقى حبرا على ورق.