أريد أن أبكي .. فلا تقل لي توقفي !

اسمع كثيرا عن كُتّاب ملهمين ورائعين وايجابيين، من الغرب.
أضافوا للعالم جمالاً لا يزال يطعمُ العالم.
اقرأ لهم فتنفتح أمامي مساحات كونية لم أكن لأصل إليها ولا لأتعرف عليها إلا من خلال ما خطته عقولهم التي وهبتني كنوزًا عظيمة لا أنكرها وأظل أحتفظ بها أبد الدهر.
ولكن المأساوي في نهايات البعض منهم هو انتحاره والقيام بقتل نفسه بؤسًا ويأسًا.
حاولت كثيرًا أن أتعرف على الاسباب الرئيسية التي تجعل من الانسان يفقد وعيه حدّ أنه يقتل نفسه عمدًا رغم توفر الإمكانات والمعطيات والجمال الذي يعيشه وربما الترف الذي يطال الماديات والروحانيات لدى الشخص.
ربما يجيب البعض أن الدين الاسلامي منح الانسان ضوابطًا تمنع هذا التصرف المؤلم والفضيع.
وأيضاً حين تكون مؤمنًا وراضيًا ومقبلاً على الله لن تضيق بك الحياة حد أنكَ تفكر بالانتحار.
كلُّ ذلكَ صحيح، وكلُّ مؤمن عاقل يؤمن بذلك إيمانًا تامًا.
ولكني توصلتُ لحقيقة أخرى ومنْ زواية مختلفة كليًا.
قد نسمع أحيانا بمن يدعو إلى الإيجابية، وإلى من ينادي بـ "انظر للجانب الممتلىء من الكأس ودعكَ من الجانب الفارغ.. تجاهله، أو لا تنظر إليه، واعتبره غير موجود!"
وهذا تصرف غير واعٍ، لا تكن إيجابيًا، ولا تكن سلبيًا. إنما كن متزنًا، واعيًا.
فالوسطية والوعي هو أنكَ تدرك وجود كلا الجانبين الفارغُ والممتلىء وتعترفُ بوجودهما بوعي تام بأن هناك في الحياة جانبًا مظلمًا يغفر له وجود النور، وجانبًا مؤلمًا ينسيك إياه جانب المتعة.
إن التجاهل والإنكار يصنع التراكمات والتطرف ويجلب لك المتاعب لأنك تخالف الحياة، تخالف طبيعتك والكون.
لأن كل الذين يروجون للايجابية البحتة يمنعون حزنك، وألمك، وبكاءك، ويرفضون وجود ذلك ويطالبونك بالسعادة الدائمة. وعندها تنفجر أنت في الوقت الخاطئ لتتسآل..
ماذا يحدث معي؟ أنا ايجابي! كيف حدث هذا؟
حين تهرب من دموعك، وتهرب من أوجاعك، ولا تعترف بوجودها، ولا تسمح لنفسك بالحزن ولا بالألم.
إنك هنا تمارس ظلم نفسك بنفسك. وأنت تظن بأن ذلك قوة، وما هو إلا عبث تقوم به في حق ذاتك البريئة. فأنت خلقت لتعيش بتقلبات، ومحطات، ومنعطفات، والوعي هو أن تدرك أن كل ذلك يمنحك في كل مرة ميلادًا جديدًا. فبعض الأوجاع هي من تصنع نضج الانسان ووعيه. وبعضها هو ما يبني داخلك باتزان حقيقي وسلام يمنحه لك قبولك ورضاك والسماح لنفسك واحترامها بأن تحزن وقت الحزن وبأن تسعد وقت السعد.
لذلك أقول : أعط نفسك حقها، واحترمها. لا تحاول الخروج من حزنك بقوة كي لا يقتلك.
ولا تمارس ايجابيتك وسعادتك المحضة على الدوام حد أنك تختنق من حياتك التي تسير على رتم واحد.
إنما استجب لمشاعرك، لداخلك، واستمع لأغنيات روحك الداخلية، واستمتع بالحياة أيا كان لونها، ولا تحاول العبث معها بأن ترتدي ثوبا كاذبا ليس لك.
حين تضيق عبر عن ضيقك بوعي، وحين تبكي ابكِ دون أن تعاند دموعك بأن لا تخرج من جسدك الذي سيتجدد من بعدها ولا تسمح لأحدهم أن يمنع دموعك ويقول لك: "توقف عن البكاء"
إنما قل له: "أريد أن أبكي.. فلا تقل لي توقف!"،
وحين تضحك اضحك كأن لا صوت في الكون غير صوتك الرائع وأنت تضحك باستمتاع كلي وانتشاء حقيقي.
إن سر جمال الاشياء والحياة يكمن في عدم اكتمالها.
فلو كانت مكتملة تامة لطلبنا الموت ولذهبنا إليه بأنفسنا. ولكن عدم اكتمالها يصنع توافقنا معها وانسجامنا وتناغمنا الحقيقي والرائع.
لذلك لا تكن إيجابيًا، ولا تكن سلبيًا.
إنما كن واعيًا سويًا، لأنك خُلقت لتكون وسطيًا، لا ظالمًا لنفسك ولا مظلومًا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي