الانتقال السلس والثقة
لن نعدد ما قام به المغفور له بإذن الله الملك عبدالله من مآثر كبيرة لوطنه وأمته خاصة أن فترة حكمه أتت في مرحلة تحولية خطرة في المنطقة جيوسياسيا وما صاحبها من ظاهرة الإرهاب إقليميا وعالميا، كما أن التحولات المجتمعية في الوطن أخذت جانبا مهما من اهتمام الملك مما مكنه من إحداث نقلة مهمة في مسيرة البناء. لن ننسى تمكنه مع ولي عهده من إدارة الدفة بحكمة بعد أحداث 11/ 9. انتقلت السلطة إلى الملك سلمان وولي عهده الأمير مقرن وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف، وتولى الدفاع سمو الأمير المتأهب محمد بن سلمان. تم انتقال السلطة بوضوح وسلاسة وهدوء.
انتقال السلطة بهذه السلاسة ليس جديدا في العهد السعودي ولكن اللافت هو وضوح الظاهرة من زاويتين، الأولى، الحقبة التاريخية التي تعيشها المنطقة من انفلات في الدولة المركزية في كل من العراق وسورية واليمن وليبيا وتزعزعها المستديم في دول أخرى مثل لبنان وضعفها في دول أخرى مما جعل تجربة المملكة فريدة، هذا الاختلاف الجوهري في التجربة السعودية وعلى مدى عقود أظهر تميز النخبة الحاكمة من ناحية ومدى العلاقة الصحية مع الشعب. الزاوية الأخرى، تظهر في حقيقة أن الحديث دائما ينصب على الانتقال الجيلي الحتمي، اتخذ البيت السعودي ممثلا بهيئة البيعة خطوة حاسمة وسريعة في هذا الشأن، تسلم الأمير القدير محمد بن نايف مهام ولي ولي العهد في ترتيب نوعي. هاتان الزاويتان أظهرتا كفاءة في إدارة الحكم مما أعطى درجة عالية من الثقة لكل من يهمه شأن المملكة إيجابا أو سلبا. للثقة دور مركزي في الحالة النفسية والسياسية والاقتصادية لكل الفعاليات وعلى كل المستويات. في الأخير لن ننجح تنمويا دون تطور اقتصادي واضح ولن ننجح اقتصاديا دون درجة عالية من الثقة. للثقة دور تدخلي مفصلي موجود في خاطر وعقل كل فرد ولكن يصعب قياسها، فهي ذلك الرابط الخفي القوي بين الناس وبين الحاكم والمحكوم وبين الفعاليات الاقتصادية في التعاقد والطمأنينة على التواصل الموثوق بين البائع والمشتري وبين المستثمر والمستفيد وبين المودع والمؤسسة المصرفية وبين القضاء وطالب الحق وبين رجل الأمن والمواطن. تكون قيمة الثقة في أوضح مرحلة حين تفقد وعادة يصعب استرجاعها فالنفس تأخذ وقتا طويلا كي تنسى، واسترجاع الثقة مكلف وقتا ومالا. على هامش مؤتمر دافوس الاقتصادي ذكر لورنس سمرز وزير الخزانة الأمريكي السابق أن "أرخص" عامل تحفيز اقتصاديا هو الثقة. لذلك أتت خطوات انتقال الحكم من الزاويتين الآنفتي الذكر لتؤكدا مدى الثقة في المنظومة السعودية. قد يكون غاب على البعض أن التأكيد على بقاء الوزراء كان مركز اهتمام في العالم الاقتصادي خاصة بعد قرارات المملكة المهمة في القطاع النفطي في الفترة الأخيرة، ولذلك أتى التغير (الاستقرار) في سعر النفط ليؤكد الثقة في القرار الوطني. أتت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لتؤكد للقاصي والداني مدى وضوح النهج السعودي ومدى الثقة التي وصلت للمواطن بوضوح والتفاعل معها إيجابيا. المسيرة الوطنية تنموية وبالتالي تواجه تحديات وحتى منغصات، ولكن دون الثقة لن يكون هناك حلول، وصلنا لمستوى ثقة عال وبقي العمل الفني الأكثر دقة في نواح كثيرة حتى نصل إلى مصاف الدول المتقدمة حثيثا. أنا على ثقة في قيادة المملكة بأننا سنتعاون جميعا لتقدم الوطن.