النفط والتعليم

الكل يتفق على أن التعليم في المملكة يحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة، من الفلسفة التعليمية التي يقوم عليها النظام التعليمي إلى أبسط أدوات ووسائل التعليم، فإذا كانت الولايات المتحدة وبعض الدول المتقدمة تعتقد أنها في حاجة إلى تطوير نظام التعليم لديها، فماذا نقول نحن؟ لا أعتقد أن هذا الأمر غائب عن ذهن المسؤولين في الدولة، وأعتقد أن وزير التعليم الجديد يعي تماما حجم العبء الذي سيحمله في منصبه الجديد، إلا أن موضوع التعليم يحتاج إلى تكاتف جهات عدة، لتتواءم فلسفة التعليم لدينا ــــ المدرسي والجامعي ــــ مع الأهداف العامة لخطة الحكومة التنموية والاقتصادية.
ولا نضيف جديدا إذا قلنا إن الدولة خلال السنوات العشر الأخيرة اعتمدت على ارتفاع أسعار النفط لتمويل برامجها التطويرية والإصلاحية، ومنها تطوير التعليم، إلا أن انخفاض النفط سيؤثر بطريقة أو بأخرى في حجم الميزانيات التي سترصد خلال الأعوام المقبلة لتمويل تكلفة هذه البرامج التنموية والتطويرية، ومن هنا نجد أن اعتمادنا على النفط سيؤثر تأثيرا مباشرا في مسيرة المملكة التنموية، وهذا ليس استنتاجا يحتاج إلى ذكاء أبدا، إلا أن هذا الربط المنطقي الذي يعيه الوزير قبل غيره تأصيل ضروري لما أود تسليط الضوء عليه في هذه المقالة.
الكل متفق على ضرورة تنويع مصادر دخل المملكة، إلا أن المختصين والمهتمين يختلفون في الطريقة التكتيكية والاستراتيجية لفك ارتباطنا الشديد بالنفط، فقال البعض بالتوجه للصناعات المختلفة، واتجه البعض للتخصيص وفتح السوق، وقال البعض إن ضريبة الدخل أمر لا مفر منه في المستقبل. أنا لا أختلف مع كل هؤلاء فيما قرروه تجاه موضوع علاج اعتمادنا على النفط، إلا أنني أجد أن مفتاح تنويع مصادر الدخل التي سردها هؤلاء هو التعليم المدرسي والجامعي. فإذا كانت نظرة الدولة ورؤيتها للمستقبل تتجه نحو الصناعة أو التقنية أو الضريبة، فلابد من تأسيس أرضية صلبة يقف عليها هذا التنويع.
إن التنويع الحقيقي في الدخل سيأتي عبر الإنسان السعودي، والعقل السعودي، والسواعد السعودية، فلن نستطيع استيراد الهمة والإصرار من الخارج لتأسيس قاعدة اقتصادية قوية للمملكة، نعم، نحن نحتاج إلى خبرات أجنبية خلال عملية التأسيس، إلا أن هذه الحاجة ستظل حجر عثرة أمام الدولة والمجتمع إذا استمرت، فحاجتنا إلى الخبرات الأجنبية يجب أن تكون وقتية، أي أن الهدف الرئيس من عملية التنمية تأسيس خبرات وطنية في شتى المجالات، العلمية والعملية، ومن هنا يكون التعليم بكافة أشكاله ومراحله هو حجر الأساس للتطوير والتنمية والإصلاح. نعم، لدينا آلاف المهندسين والأطباء والإداريين، إلا أننا تعثرنا في توطين الخبرات التي تعتمد عليها العملية التنموية، فلا نجد أن هناك مراكز أبحاث يعتمد عليها في إعادة رسم خططنا التنموية، ولا يوجد هناك ما يسمى بمراكز التفكير ـــ Think Tanks ــــ لإنتاج الأفكار التطويرية الملائمة لظروفنا المحلية.
إذا أردنا فك ارتباطنا بالنفط فلنبدأ بتغيير نظام التعليم لدينا، فهو أهم من كل شيء، وهو أداة التنمية الوحيدة التي لا يستطيع أحد أن يسلبنا أياها، فإذا ارتبط العلم والمهارة بعقيدة حب صادقة لهذا البلد، لن يكون انخفاض سعر النفط إلا حدثا عابرا لا يؤثر فينا إلا بشكل محدود، فلابد من مواءمة الرؤية التعليمية بالرؤية الاقتصادية والاجتماعية بل حتى السياسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي